361
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3

بِباحَتِكَ «حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَـكِمِينَ»۱ . ۲

۲۴۰۰.عنه عليه السلامـ مِن كِتابٍ لَهُ إلى مُعاوِيَةَ ـ: أمّا بَعدُ ؛ فَقَد آنَ لَكَ أن تَنتَفِعَ بِاللَّمحِ الباصِرِ مِن عِيانِ الاُمورِ ، فَقَد سَلَكتَ مَدارِجَ أسلافِكَ بِادِّعائِكَ الأَباطيلَ ، وَاقتِحامِكَ غُرورَ المَينِ وَالأَكاذيبِ ، وبِانتِحالِكَ ما قَد عَلا عَنكَ ، وَابتِزازِكَ لِما قَدِ اختُزِنَ دونَكَ ، فِرارا مِنَ الحَقِّ ، وجُحودا لِما هُوَ ألزَمُ لَكَ مِن لَحمِكَ ودَمِكَ ، مِمّا قَد وَعاه سَمعُكَ ، ومُلِئَ بِهِ صَدرُكَ ، فَماذا بَعدَ الحَقِّ إلَا الضَّلالُ المُبينُ ، وبَعدَ البَيانِ إلَا اللَّبسُ .
فَاحذَرِ الشُّبهَةَ وَاشتِمالَها عَلى لُبسَتِها ؛ فَإِنَّ الفِتنَةَ طالَما أغدَفَت جَلابيبَها وأغشَتِ الأَبصارَ ظُلمَتُها . وقَد أتاني كِتابٌ مِنكَ ذو أفانينَ مِنَ القَولِ ، ضَعُفَت قُواها عَنِ السِّلمِ ، وأساطيرَ لَم يَحُكها مِنكَ عِلمٌ ولا حِلمٌ ، أصبَحتَ مِنها كَالخائِضِ فِي الدَّهاسِ ۳ ، وَالخابِطِ فِي الدِّيماسِ ۴ ، وتَرَقَّيتَ إلى مَرقَبَةٍ بَعِيدَةِ المَرامِ ، نازِحَةِ الأَعلامِ ، تَقصُرُ دونَهَا الأَنوقُ ، ويُحاذى بِهَا العَيُّوقُ ۵ .
وحاشَ للّهِِ أن تَلِيَ لِلمُسلِمينَ بَعدي صَدَرا أو وِردا ، أو اُجرِيَ لَكَ عَلى أحَدٍ مِنهُم عَقدا أو عَهدا ، فَمِنَ الآنَ فَتَدارَك نَفسَكَ وَانظُر لَها ؛ فَإِنَّكَ إن فَرَّطتَ حَتّى يَنهَدَ ۶ إلَيكَ عِبادُ اللّهِ اُرتِجَتْ عَلَيكَ الاُمورُ ، ومُنِعتَ أمراً هُوَ مِنكَ اليَومَ مَقبولٌ . وَالسَّلامُ ۷ .

1.الأعراف : ۸۷ .

2.نهج البلاغة : الكتاب ۵۵ ، بحار الأنوار : ج۳۳ ص۱۱۶ ح۴۰۹ وراجع المعيار والموازنة : ص۱۳۸ .

3.الدهاس : من رواها بالكسر فهو جمع دَهْس ، ومن قرأها بالفتح فهو مفرد ، يقول : هذا دَهسٌ ودَهاس ـ بالفتح ـ للمكان السهل الذي لا يبلغ أن يكون رملاً ، وليس هو بتراب ولا طين (شرح نهج البلاغة : ج۱۸ ص۲۶) .

4.الدِّيْماس : السَّرَب المُظلم تحت الأرض (شرح نهج البلاغة : ج۱۸ ص۲۶) .

5.الأنُوقْ ـ كأكول ـ : طائر ؛ وهو الرَّحْمَة ، والعَيّوق كوكب معروف فوق زحل في العلو . وهذه أمثال ضَرَبها في بُعد معاوية عن الخلافة (شرح نهج البلاغة : ج۱۸ ص۲۷) .

6.نَهَدَ: نهض ، ونَهَدَ القوم لعدوّهم ، إذا صمدوا له ، وشرعوا في قتاله (النهاية : ج۵ ص۱۳۴) .

7.نهج البلاغة : الكتاب ۶۵ ، بحار الأنوار : ج۳۳ ص۱۱۸ ح۴۱۰ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3
360

وَارجِع إلى مَعرِفَةِ مالا تُعذَرُ بِجَهالَتِهِ ؛ فَإِنَّ لِلطّاعَةِ أعلاما واضِحَةً ، وسُبُلاً نَيِّرَةً ، ومَحَجَّةً نَهجَةً ، وغايَةً مُطَّلَبَةً ، يَرِدُهَا الأَكياسُ ، ويُخالِفُها الأَنكاسُ ؛ مَن نَكَبَ عَنها جارَ عَنِ الحَقِّ ، وخَبَطَ فِي التِّيهِ ، وغَيَّرَ اللّهُ نِعمَتَهُ ، وأحَلَّ بِهِ نِقمَتَهُ . فَنَفسَكَ نَفسَكَ ! فَقَد بَيَّنَ اللّهُ لَكَ سَبيلَكَ . وحَيثُ تَناهَت بِكَ اُمورُكَ فَقَد أجرَيتَ إلى غايَةِ خُسرٍ ومَحَلَّةِ كُفرٍ ؛ فَإِنَّ نَفسَكَ قَد أولَجَتكَ شَرّا ، وأقحَمَتكَ غَيّا ، وأورَدَتكَ المَهالِكَ ، وأوعَرَت عَلَيكَ المَسالِكَ ۱ .

۲۳۹۸.عنه عليه السلامـ مِن كِتابٍ لَهُ إلى مُعاوِيَةَ ـ: أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ الدُّنيا مَشغَلةٌ عَن غَيرِها ، ولَم يُصِب صاحِبُها مِنها شَيئاً إلّا فَتَحَت لَهُ حِرصاً عَلَيها ولَهَجاً بِها ، ولَن يَستَغنِيَ صاحِبُها بِما نالَ فيها عَمّا لَم يَبلُغهُ مِنها . ومِن وَراءِ ذلِكَ فِراقُ ما جَمَعَ ، ونَقضُ ما أبرَمَ ! ولَوِ اعتَبَرتَ بِما مَضى حَفِظتَ ما بَقِيَ . وَالسَّلامُ ۲ .

۲۳۹۹.عنه عليه السلامـ مِن كِتابٍ لَهُ إلى مُعاوِيَةَ ـ: أمّا بَعدُ ؛ فَإِنَّ اللّهَ سُبحانَهُ قَد جَعَلَ الدُّنيا لِما بَعدَها ، وَابتَلى فيها أهلَها ؛ لِيَعلَمَ أيُّهُم أحسَنُ عَمَلاً . ولَسنا لِلدُّنيا خُلِقنا ، ولا بِالسَّعيِ فيها اُمِرنا ، وإنَّما وُضِعنا فيها لِنُبتَلى بِها ، وقَدِ ابتَلانِي اللّهُ بِكَ ، وَابتَلاكَ بي ، فَجَعَلَ أحَدَنا حُجَّةً عَلَى الآخَرِ ، فَعَدَوتَ عَلَى الدُّنيا بِتَأويلِ القُرآنِ ، فَطَلَبتَني بِما لَم تَجنِ يَدي ولا لِساني ، وعَصَيتَهُ أنتَ وأهلُ الشّامِ بي وألَّبَ عالِمُكُم جاهِلَكُم ، وقائِمُكُم قاعِدَكُم ؛ فَاتَّقِ اللّهَ في نَفسِكَ ، ونازِعِ الشَّيطانَ قِيادَكَ ، وَاصرِف إلَى الآخِرَةِ وَجهَكَ ؛ فَهِيَ طَريقُنا وطَريقُكَ . وَاحذَر أن يُصيبَكَ اللّهُ مِنهُ بِعاجِلِ قارِعَةٍ تَمَسُّ الأَصلَ وتَقطَعُ الدّابِرَ ؛ فَإِنّي اُولي لَكَ بِاللّهِ ألِيَّةً غَيرَ فاجِرَةٍ ، لَئِن جَمَعَتني وإيّاكَ جَوامِعُ الأَقدارِ لا أزال

1.نهج البلاغة : الكتاب ۳۰ ، بحار الأنوار : ج۳۳ ص۸۳ ح۳۹۹ .

2.نهج البلاغة : الكتاب ۴۹ ، وقعة صفّين : ص۴۹۸ نحوه وفي صدره «كتب عليّ إلى عمرو بن العاص» بدل «إلى معاوية» ، بحار الأنوار : ج۳۳ ص۴۸۳ ح۶۸۸ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 150633
الصفحه من 670
طباعه  ارسل الي