145
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3

عَلى ما تُريدُ ، فَدَع عَنكَ ما لَستَ مُدرِكَهُ . ثُمَّ قَرَأَ : «الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ»۱ ـ إلى آخِرِ الآيَتَينِ ـ سيروا إلى أميرِ المُؤمِنينَ وسَيِّدِ المُسلِمينَ ، وَانفِروا إلَيهِ أجمَعينَ؛ تُصيبُوا الحَقَّ .
فَقامَ القَعقاعُ بنُ عَمرٍو فَقالَ : إنّي لَكُم ناصِحٌ ، وعَلَيكُم شَفيقٌ ، اُحِبُّ أن تَرشُدوا ، ولَأَقولَنَّ لَكُم قَولاً هُوَ الحَقُّ ؛ أمّا ما قالَ الأَميرُ فَهُوَ الأَمرُ لَو أنَّ إلَيهِ سَبيلاً ، وأمّا ما قالَ زَيدٌ فَزَيدٌ فِي الأَمرِ فَلا تَستَنصِحوهُ ؛ فَإِنَّهُ لا يُنتَزَعُ أحدٌ مِنَ الفِتنَةِ طَعَنَ فيها وَجَرى إلَيها . وَالقَولُ الَّذي هُوَ القَولُ: إنَّهُ لابُدَّ مِن إمارَةٍ تُنَظِّمُ النّاسَ ، وتَزَعُ الظّالِمَ ، وتُعِزُّ المَظلومَ ، وهذا عَلِيٌّ يَلي بِما وَلِيَ ، وقَد أنصَفَ فِي الدُّعاءِ ، وإنَّما يَدعو إلَى الإِصلاحِ ، فَانفِروا وكونوا مِن هذَا الأَمرِ بِمَرأى ومَسمَعٍ .
وقالَ سَيحانُ : أيُّهَا النّاسُ ! إنَّهُ لابُدَّ لِهذَا الأَمرِ وهؤُلاءِ النّاسِ مِن والٍ ؛ يَدفَعُ الظّالِمَ ، ويُعِزُّ المَظلومَ ، ويَجمَعُ النّاسَ ، وهذا واليكُم يَدعوكُم لِيُنظَرَ فيما بَينَهُ وبَينَ صاحِبَيهِ ، وهُوَ المَأمونُ عَلَى الاُمَّةِ ، الفَقيهُ فِي الدّينِ ؛ فَمَن نَهَضَ إلَيهِ فَإِنّا سائِرونَ مَعَهُ ۲ .

۲۱۵۳.شرح نهج البلاغة عن أبي مِخنَف :لَمّا سَمِعَ أبو موسى خُطبَةَ الحَسَنِ وعَمّارٍ قامَ فَصَعِدَ المِنبَرَ ، وقالَ : الحَمدُ للّهِِ الَّذي أكرَمَنا بِمُحَمَّدٍ ؛ فَجَمَعَنا بَعدَ الفُرقَةِ ، وجَعَلَنا إخوانا مُتَحابّينَ بَعدَ العَداوَةِ ، وحَرَّمَ عَلَينا دِماءَنا وأموالَنا ، قالَ اللّهُ سُبحانَهُ : «وَلَا تَأْكُلُواْ أَمْوَ لَكُم بَيْنَكُم بِالْبَـطِـلِ»۳ ، وقالَ تَعالى : «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَــلِدًا فِيهَا»۴ ، فَاتَّقُوا اللّهَ عِبادَ اللّهِ ، وضَعوا أسلِحَتَكُم وكُفّوا عَن قِتالِ إخوانِكُم .

1.العنكبوت : ۱ و ۲ .

2.تاريخ الطبري : ج۴ ص۴۸۲ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۳۲۷ ، البداية والنهاية : ج۷ ص۲۳۶ كلاهما نحوه .

3.البقرة : ۱۸۸ .

4.النساء : ۹۳ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3
144

«وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ»۱ .
فَغَضِبَ عَمّارٌ وساءَهُ وقامَ وقالَ : يا أيُّهَا النّاسُ ! إنَّما قالَ لَهُ خاصَّةً : «أنتَ فيها قاعِدا خَيرٌ مِنكَ قائِما» . . .
وقامَ أبو موسى فَقالَ : أيُّهَا النّاسُ ! أطيعوني تَكونوا جُرثومَةً ۲ مِن جَراثيمِ العَرَبِ ؛ يَأوي إلَيكُمُ المَظلومُ ، ويَأمَنُ فيكُمُ الخائِفُ ، إنّا أصحابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله أعلَمُ بِما سَمِعنا ، إنَّ الفِتنَةَ إذا أقبَلَت شَبَّهَت ، وإذا أدبَرَت بَيَّنَت ، وإنَّ هذِهِ الفِتنَةَ باقِرَةٌ كَداءِ البَطنِ ، تَجري بِهَا الشَّمالُ وَالجَنوبُ، وَالصَّبا وَالدَّبورُ ، فَتَسكُنُ أحياناً فَلا يُدرى مِن أينَ تُؤتى ، تَذَرُ الحَليمَ كَابنِ أمسِ ، شيموا سُيوفَكُم ، وقَصِّدوا رِماحَكُم ، وأرسِلوا سِهامَكُم ، وَاقطَعوا أوتارَكُم ، وَالزَموا بُيوتَكُم ، خَلّوا قُرَيشا ـ إذا أبَوا إلَا الخُروجَ مِن دارِ الهِجرَةِ وفِراقَ أهلِ العِلمِ بِالإِمرَةِ ـ تَرتُق فَتقَها ، وتَشعَب صَدعَها ؛ فَإِن فَعَلَت فَلِأَنفُسِها سَعَت ، وإن أبَت فَعَلى أنفُسِها مَنَّت ، سَمنَها تُهَريقُ في أديمِها ۳ ، اِستَنصِحوني ولا تَستَغِشّوني ، وأطيعوني يَسلَم لَكُم دينُكُم ودُنياكُم ، ويَشقى بِحَرِّ هذِهِ الفِتنَةِ مَن جَناها .
فَقامَ زَيدٌ فَشالَ يَدَهُ المَقطوعَةَ ۴ ، فَقالَ: يا عَبدَاللّهِ بنَ قَيسٍ، رُدَّ الفُراتَ عَن دِراجِهِ ۵ ، اُردُدهُ مِن حَيثُ يَجيءُ حَتّى يَعودَ كَما بَدَأَ ، فَإِن قَدَرتَ عَلى ذلِكَ فَسَتَقدِر

1.النساء : ۹۳ .

2.الجُرثومة: الأصل (النهاية : ج۱ ص۲۵۴).

3.قال الميداني : سمنكُم هُريق في أديمكم : يُضرب للرجل ينفق ماله على نفسه ثمّ يريد أن يمتنّ به (مجمع الأمثال : ج۲ ص۱۱۲ الرقم۱۷۹۹) والأديم ـ هنا ـ هو طعامهم المأدوم .

4.قُطعت في معركة اليرموك.

5.قال الميداني : «مَن يردّ الفراتَ عن دِراجه» هو جمع دَرَج ؛ أي وجْهه الذي توجّه له . يعني أنّ الأمر خرج من يده وأنّ الناس عزموا على الخروج من الكوفة ، فهو لا يقدر أن يردّهم من فورهم هذا (مجمع الأمثال : ج۳ ص۳۳۶ الرقم۴۰۹۴) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج3
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 150786
الصفحه من 670
طباعه  ارسل الي