323
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2

التاريخ ، له اُسوة بهم وهم يتّخذون السياسة أداة لفرض السلطة على النّاس ، لا أن تكون وسيلة لإقامة الحقّ وتأمين حقوق المجتمع .
لم يكن لحركة الإصلاح العلوي من هدف سوى إحياء منهج الحكم النبوي ، ومن ثَمّ لم يكن بمقدورها أن تتحرّك على اُسس غير مبدئيّة ، مناهضة للقيم والدين وكلّ ما هو غير إنساني . من هذا المنطلق راحت هذه الحركة الإصلاحيّة تواجه ذات العقبات والمشكلات الَّتي اصطدم بها الحكم النبوي ۱ .
لكن الإمام استطاع من خلال تحمله كافّة المشكلات ، أن يُعيد في التاريخ الإسلامي ـ ولمرّة أخرى ـ المعالم الوضّاءة لمنهج الحكم النبوي ، وأن يُعلّم الآخرين ممّن يأتي في المستقبل منهج حكومة القلوب .
لكن ينبثق هنا سؤال أساسي ، فحواه : إذا كان النهج الَّذي اختاره الإمام لإدارة الاجتماع السياسي ممكناً وعمليّاً من خلال الاُصول الَّتي مرّت الإشارة إليها ، فلماذا راحت أكثريّة النّاس تبتعد عن رجل سياسة كعليّ نهض بتنفيذ هذا المنهج ، مع أنّه عليه السلام كان قد وصل إلى السلطة بحماية عامّة من الجمهور نفسه عبر عمليّة انتخابيّة حرّة ؟ ولماذا انفضّت عنه بعد مرور مدّة قصيرة على حكمه ، بحيث أمضى الأشهر الأخيرة من حياته وحيداً فريداً ؟
يمكن القول إجمالاً في جواب هذا السؤال بأنّ ابتعاد النّاس عن الإمام وبقاءه وحيداً ، ليس دليلاً على خطأ هذا النهج وعدم صحّته . بل ثَمَّ لذلك دلائل اُخرى ستأتي تفصيلاً نهاية القسم السابع من هذه الموسوعة ، المخصّص لمصير الإمام وما آل إليه من غربة موجعة .

1.راجع شرح نهج البلاغة : ج۱۰ ص۲۱۴ و ص۲۲۲ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2
322

إنّه عليه السلام لعلى دراية بأيّ مكر سياسي يستطيع أن يحبس الأنفاس في الصدور ، كما بمقدوره أن يلجأ إلى سياسة الترغيب والتهديد والتجاوز على حقوق عامّة النّاس ليقضي على ضروب المعارضة والعصيان الداخلي ، بيد أنّ التزامه يُثنيه عن ذلك ، وتربأ به قيمه الإسلاميّة والإنسانيّة من الجنوح إلى هذا المنحدر ، وتعصمه عن التوسّل بالوسائل غير المشروعة . ولطالما كرّر صلوات اللّه وسلامه عليه قوله : «إنّي لَعالِمٌ بِما يُصلِحُكُم ويُقيمُ أوَدَكُم ، وَلكِنّي لا أرَى إصلاحَكُم بإِفسادِ نَفسِي» ۱ .
يُشير الإمام في هذا الكلام إلى تلك السياسات والوسائل الفاعلة على صعيد فرض الحكم التسلّطي على المجتمع ، بيد أنّه لا يستطيع أن يلجأ إليها ، لأنّها تنتهي إلى ثمن باهض هو فساد السياسي نفسه !
أجل ، إنّه الإصلاح الَّذي يكون ثمنه فساد المصلح !وهذا الكلام لأمير المؤمنين يعلن أنّ حركة الإصلاح قد تنتهي أحياناً إلى فساد المصلح . ومن ثَمّ فإنّ اُصول المنهج السياسي العلوي لا تسمح لحكم الإمام أن يلجأ الى ممارسة ذلك النمط من الإصلاحات القائم على مرتكزات غير مشروعة ، مثل الإصلاح الاقتصادي الَّذي يكون ثمنه التضحية بالعدالة الاجتماعيّة ، ممّا هو سائد في العالم المعاصر .
إنّ الإمام عليّاً عليه السلام يعرف جيّداً كيف يخدع المعارضين الأقوياء ذوي النفوذ السياسي الهائل ، ويُغريهم بأنّ مصالحهم سوف تتأمّن في إطار حكمه ، ثمّ يعمد إلى استيصالهم والقضاء عليهم تدريجيّاً ، كما يعرف أيضاً كيف يخدع الشعب ، ويُغريه بأنّ حقوقه الواقعيّة سوف تتأمّن ، وأنّه سوف يحترم القيم الإسلاميّة ، على حين ينهج في العمل سبيلاً آخر ، ليرسّخ بذلك قواعد حكمه ويحافظ على استقراره .
ولو أنّ ذلك قد حصل ، لما كان عليُّ بن أبي طالب عندئذٍ ، هو عليَّ بن أبي طالب ، بل لكان رجل سياسة محترف مثله كمثل بقيّة السياسيّين المحترفين فى
¨

1.نهج البلاغة : الخطبة ۶۹ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 169979
الصفحه من 600
طباعه  ارسل الي