273
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2

الاُسطوري لعبد اللّه بن سبأ لم ينقله أحد من المؤرّخين سوى سيف بن عمر ! !
يتّضح من خلال التمعّن في الأخبار الَّتي نقلها سيف بن عمر بشأن الأحداث الَّتي وقعت بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، بأنّه كان قصّاصا ماهرا ، وأنّه كان يسعى بلا توانٍ وبشكل مقصود إلى تنزيه الحكّام الاُمويّين (أو العدنانيّين حسب تعبير العلّامة العسكري) من جميع القبائح والمفاسد . وقد عمد في هذا السياق إلى تزييف التاريخ كي لا يبقى ثمّة غبار يشوّه صورة عثمان ومعاوية وطلحة والزبير . وقد ذكر العلّامة العسكري بأنّ هذا الشخص تحدّث عن مئة وخمسين صحابيّا مختلقا ليس لهم وجود إلّا في ذهنه ، ولم يردّ ذكر أحد منهم في أيّ مصدر تاريخي آخر .
وصف علماء رجال السُنّة سيف بن عمر بكلمات من قبيل :
ليس بشيء ، كذّاب ، ضعيف ، فَلس خير منه ، متروك الحديث ، عامّة أحاديثه منكرة ، يروي الموضوعات عن الأثبات ، كان يضع الحديث ، وما شابه ذلك . وكلّها تعكس صورته الكاذبة القبيحة .
يعتقد السيّد العسكري بأنّ عبد اللّه بن سبأ ليس له وجود خارجي ، وإنّما هو شخصيّة خياليّة اختلقها سيف بن عمر ودسّها في المصادر التاريخيّة .
وعلى كلّ الأحوال فإنّ ما يمكن التوصّل إليه بشأن عبد اللّه بن سبأ يتلخّص في رأيين متناقضين تماما ، هما :
1 ـ إنّه شخصيّة بارعة وقادرة على اصطناع المواقف والوقائع وما شابه ذلك .
2 ـ إنّه شخصيّة وهميّة ومختلقة ابتدعها الخيال المريض لسيف بن عمر .

تمحيص هذين الرأيين :

الرأي الأوّل يتبنّاه السُنّة وهو أمر مشهور لدى مؤرّخيهم . ولا شكّ في أنّ هذا الرأي لا يتّسم بالرصانة ؛ فالتساؤلات الَّتي اُثيرت هاهنا حول هذا الرأي لا يوجد


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2
272

خبرا واحدا عن ملاحقة معاوية لعبد اللّه بن سبأ ؟ !
6 ـ وأخيرا ؛ من هو عبد اللّه بن سبأ ؟ وما هو نسبه ؟ وأين كان قومه ؟ ومن أبوه واُمّه ، وأين كانا يعيشان ؟ وماهي القبيلة الَّتي ينتمي إليها ؟
هذه التساؤلات لا يوجد جواب عنها . وكيف لم يدوّن العرب الَّذين كانوا يعيرون أهمّية فائقة لعلم الأنساب شيئا عن رجل كان له مثل هذا الصيت الذائع ؟ !
ولماذا لم يشيروا إلى ذكر أحد من قومه ؟ !
إنّ أمثال هذه التساؤلات تجعل شخصيّة هذا الرجل تبدو وكأنّها مغمورة في هالة من الغموض ، حتّى اعتبر بين الباحثين المتأخّرين ـ كما سبقت الإشارة ـ شخصيّة مشبوهة . فقد شكّك بعض المستشرقين مثل فرد لندر ، وبرنارد لويس ، وكيتاني ، وباحثون سُنّة من أمثال طه حسين من خلال نقد وتحليل الأخبار المتعلّقة بعبد اللّه بن سبأ بوجود مثل هذا الشخص ، ونفوا جملة وتفصيلاً دوره الاُسطوري في الوقائع المتعلّقة بمقتل عثمان .
صرّح طه حسين بأنّ عبد اللّه بن سبأ شخصيّة اختلقها خصوم الشيعة ، واعتبر التأكيد على أصله اليهودي تعريضا بالمذهب الشيعي . والنقطة المهمّة الَّتي يؤكّدها طه حسين هي أنّ البلاذري ـ وعلى الرغم من دقّة نقله للأحداث الَّتي وقعت في عهد عثمان ـ لم يذكر شيئا عن عبد اللّه بن سبأ ودوره في تلك الوقائع . وقد التفت العلاّمة الأميني إلى هذه المسألة وأشار اليها في كتابه «الغدير» ۱ .
ومن أوسع البحوث الَّتي جرت فيما يخصّ نقد وتمحيص الأخبار الواردة بشأن عبد اللّه بن سبأ ، هي البحوث الَّتي أجراها العلّامة مرتضى العسكري . وعند تقصّيه لمصادر تلك الأخبار ؛ توصّل إلى أنّ مصدرها هو تاريخ الطبري . ثمّ يثبت أنّ الدور

1.راجع : كتاب «عليّ وبنوه» : ص۹۰ ـ ۹۲ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 174307
الصفحه من 600
طباعه  ارسل الي