259
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2

عامِرٍ وسَعيدَ بنَ العاصِ هُم صَنَعوا بِهِ ما تَرى . فَإِذا نَصَحتُهُ وأمَرتُهُ أن يُنَحِّيَهُمُ استَغَشَّني حَتّى جاءَ ما تَرى» .
كانت هذه العوامل وعوامل اُخرى غيرها هي الَّتي دفعت إلى الثورة على عثمان ، ومهّدت للانتقاض ضدّ الحكومة المركزيّة .
ذكر المسعودي في مروج الذهب أسباب السخط على عثمان قائلاً :
«في سَنَةِ خَمسٍ وثَلاثينَ كَثُرَ الطَّعنُ عَلى عُثمانَ وظَهَرَ عَلَيهِ النَّكيرُ لِأَشياءَ ذَكَروها مِن فِعلِهِ ، مِنها : ما كانَ بَينَهُ وبَينَ عَبدِ اللّهِ بنِ مَسعودٍ ، وَانحِرافُ هُذَيلٍ عن عُثمانَ مِن أجلِهِ . ومِن ذلِكَ ما نالَ عَمّارُ بنُ ياسِرٍ مِنَ الفَتقِ والضَّربِ ، وَانحِرافُ بِني مَخزومٍ عَن عُثمانَ مِن أجلِهِ . ومِن ذلِكَ فِعلُ الوَليدِ بنِ عُقبَةَ في مَسجِدِ الكوفَةِ . . . ومِن ذلِكَ ما فَعَلَ بِأَبي ذَرٍّ ۱ .
بينما ذكر اليعقوبي أسباب الثورة على النحو الآتي :
«نَقِمَ النّاسُ عَلى عُثمانَ بَعدَ وِلايَتِهِ بِسِتِّ سِنينَ ، وتَكَلَّمَ فيهِ مَن تَكَلَّمَ ، وقالوا : آثَرَ القُرَباءَ ، وحَمَى الحِمى ، وبَنَى الدّارَ ، وَاتَّخَذَ الضِّياعَ والأَموالَ بِمالِ اللّهِ وَالمُسلِمينَ ، ونَفى أبا ذَرٍّ صاحِبَ رَسولِ اللّهِ وعَبدَ الرَّحمنِ بنَ حَنبَلٍ ، وآوَى الحَكَمَ بنَ أبِي العاصِ وعَبدَ اللّهِ بنَ سَعدِ بنِ أبي سَرحٍ طَريدَي رَسُولِ اللّهِ ، وأهدَرَ دَمَ الهُرمُزانِ ؛ ولَم يَقتُل عُبَيدَ اللّهِ بنَ عُمَرَ بِهِ ، ووَلَّى الوَليدَ بنَ عُقبَةَ الكوفَةَ ، فَأَحدَثَ فِي الصَّلاةِ ما أحدَثَ ، فَلَم يَمنَعهُ ذلِكَ مِن إعاذَتِهِ إيّاهُ . وأجازَ الرَّجمَ ؛ وذلِكَ أنَّهُ كانَ رَجَمَ امرَأَةً مِن جُهَينَةَ دَخَلَت عَلى زَوجِها فَوَلَدَت لِسِتَّةِ أشهُرٍ ، فَأَمَرَ عُثمانُ بِرَجمِها . فَلَمّا اُخرِجَت دَخَلَ إلَيهِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ فَقالَ : إنَّ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقولُ : «وَ حَمْلُهُ وَ فِصَــلُهُ ثَلَـثُونَ شَهْرًا»۲ وقالَ في رضاعِهِ : «حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ»۳ ، فَأَرسَلَ عُثمانُ فى
¨

1.مروج الذهب : ج۲ ص۳۵۰ .

2.الكرام البررة ۲ : ۶۷۳ ؛ مستدرك أعيان الشيعة ۳ : ۱۰۵ ـ ۱۰۶ : (وذكر أنّه توفي نحو سنة ۱۲۸۹ ه ) .

3.قصص العلماء ، الميرزا محمّد التنكابني : ۹۲ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2
258

الملأ ، وأرغمه مروان على نقض توبته ، أم عندما وافق على عزل والي مصر ، لكنّه رضخ في أعقاب ذلك لإرادة مروان ، وأصدر أمره بقتل ونفي وتعذيب الثوّار الوافدين من هناك .
لقد كان مروان هو الَّذي يُملي على عثمان ما يريد ، وكان يسعى في جرّه إلى اتّخاذ مواقف متزمّتة ، حتّى إنّ زوجته نائلة بنت الفرافصة قالت له :
«فَإِنَّهُم وَاللّهِ قاتِلوهُ ومُؤَثِّموهُ . . . وقَد أطَعتَ مَروانَ يَقودُكَ حَيثُ شاءَ» .
وكان سائر مستشاري عثمان من هذا القبيل ؛ فعندما جمعهم للتشاور معهم في أمر سخطِ النّاس عليه ، أشار عليه معاوية باستخدام القوّة ضدّهم لإسكاتهم ، فيما أشار عليه عبد اللّه بن عامر قائلاً : «أن تَأمُرَهُم بِجِهادٍ يَشغَلُهُم عَنكَ ، وأن تُجَمِّرَهُم فِي المَغازي حَتّى يَذلّوا لَكَ ، فَلا يَكون هِمَّةُ أحَدِهِم إلّا نَفسهُ» .
أمّا سعيد بن العاص فقد أشار عليه قائلاً :
«إنَّ لِكُلِّ قَومٍ قادَةً مَتى تَهلُكُ يَتَفَرَّقوا ، ولا يَجتَمِعُ لَهُم أمرٌ» .
وعرض عليه معاوية في هذا المجال أن يقتل عليّا وطلحة والزبير .
فإذا وُجدت كلّ هذه القلوب الفاسدة والنفوس المريضة والتوجّهات الجائرة المثيرة للسخط ، فما الداعي بعدئذٍ للتساؤل عن أسباب تبلور تلك الثورة ؟
إنّ الشخص الوحيد الَّذي كان يُشير حينذاك على عثمان باخلاص رغبة في صيانة هويّة الاُمّة الإسلاميّة ، ويحذّره من عواقب الاُمور ، ويسعى ـ رغم كلّ ما نزل به من ظلم ـ إلى أن لا تصل الاُمور إلى هذا الحدّ ، هو الإمام عليّ عليه السلام . وياليت عثمان كان يُصغي لنصائحه ويَفي بالعهود الَّتي قطعها على نفسه للنّاس .
وللإمام عليّ عليه السلام كلام جميل عن موقفه أزاء تلك الأحداث ، وعن موقف بطانة عثمان ، جاء في بعض منه :
«وَاللّهِ ما زِلتُ أذُبُّ عَنهُ حَتّى إنّي لَأَستَحي ، ولكِنَّ مَروانَ ومُعاوِيَةَ وعَبدَ اللّهِ بن

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 170184
الصفحه من 600
طباعه  ارسل الي