533
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج1

عن توجّسه وخيفته ؛ وها هو الآن البلاغ الأخير يقرع فؤاده : «يَـأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ»۱ .
«يَـأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ» .
مخاطبة رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعنوان الرسالة هو الخطاب الخليق بصفة التبليغ .
إيهٍ يا نبيّ اللّه ! هل تتوجّس ؟ تُساورك الخشية ، وتنتابك الخِيفة ؟ لكن أيّ شيء هو شأنك غير البلاغ والدعوة ؟ وهل لك مسؤوليّة اُخرى غير أن تصدع بكلمات اللّه وتجهر بها ؟ فادعُ ـ إذا ـ واصدع وبلّغ ، إنّما بدقّةٍ متناهية ، وبصيغة مؤثّرة وثابتة «وَ مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَا الْبَلَـغُ» .
«مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ» .
تُرى ما الذي «أُنزِلَ إِلَيْكَ» ؟ ولماذا لم يُصرّح به ؟ إنّما كان ذلك كي يكشف عن الموقع الرفيع الذي يحظى به الأمر . وجاء بهذه الصيغة إجلالاً وتعظيماً لذلك الأمر ، ولكي يُشير إلى أنّه ليس لرسول اللّه صلى الله عليه و آله من الأمر شيء ، ولا له فيه إرادة واختيار ، بل مهمّته الإبلاغ وحسب .
من جهة اُخرى تنمّ هذه الصيغة عن صحّة فراسة النبيّ لما كان يرتقبه من ردود فعل متوجّسة تصدر عن القوم ، ممّا جعل اللّه سبحانه يدع الأمر في هالة من الغموض والإبهام ، ما برحت تُلقي ظلالها على الموقف حتى تحين لحظة البلاغ ، وينطق النبيّ بكلمة السماء .

1.نظراً لما كان يحظى به هذا البلاغ من أهمّية خطيرة ، وما كان له من دور مصيري عظيم ، فقد اُطلق على هذه الحجّة «حجّة البلاغ» . ما أروعه من اسم يستوطن النفس ويحفّز الذاكرة ، لكن وا أسفاه للمؤرّخين الذين مالوا إلى محو هذا الاسم المعبّر الأخّاذ عن الذاكرة ! يكتب ابن إسحاق في هذا السياق : «فكانت حجّة البلاغ ، وحجّة الوداع ، وذلك أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يحجّ بعدها» (سيرة ابن هشام : ج۴ ص۲۵۳) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج1
532

والآن هذا هو النبيّ أمام صفوف متراصّة من المسلمين تبلغ عشرات الاُلوف قد قصدوا مكّة حجّاجاً من حواضر العالم الإسلامي وبواديه ، وأمّوا البيت العتيق من كلّ فجٍّ عميق . وإذا صوت الوحي يأتي النبيّ من فوره ، يأمره وهو في السنة الأخيرة من عمره الشريف وفي حَجَّة الوداع ، أن يصدع بالولاية العلويّة ، ويُعلن على الجميع إمامة عليّ بن أبي طالب ، بصراحة تامّة ، ودقّة متناهية لا تحتمل أدنى شائبة من تأويل ، ولا تُطيق أيّ عذر أو تسويغ مهما كان .
يتوجّس النبيّ من الأمر ويخشاه ، بيد أنّ خشيته لا على نفسه وهو الذي حمل روحه على كفّه وبذلها في سبيل الحقّ منذ أيّام الدعوة الاُولى ، فقهر الصعاب وجعل المستحيل ذلولاً .
يتوجّس ، لكن لا من المشركين وقد كسر شوكتهم ، وصاروا على يديه فلولاً يائسة منهوكة .
يخاف ، لكن أيضاً لامن اليهود والنصارى وقد لاذوا أمام عظمة المسلمين وجلال إهابهم ، بصمت ذليل .
إنّما الذي يخشاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ويتوجّس منه لهو «داخل اُمّته» وما يريبه هو هذا «النفاق» الكامن الذي أخذ موقعه بين بعض المسلمين ، وما يخشاه هو هذه الشكوك التي يبثّها النفر الذين تظاهروا بالإسلام ، وهم في ريب من أصل الرسالة ، وما يخاف منه هو هذه التُّهَم التي تهجم على الكلام النبوي ، لترمي رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالفئويّة الاُسريّة الضيّقة ، ومحاباة قرابته القريبة ، وتتّهمه بتحميل أهله على الناس !
ممّا تكشف عنه لغة الآية والروايات ـ التي مرّت نصوصها فيما مضى ـ أيضاً أنّ أمين الوحي جبرائيل عليه السلام كان قد حمل في الأيّام الأخيرة عن اللّه سبحانه ، إلى أمين الرسالة صلى الله عليه و آله أهميّة هذا الإبلاغ ، وأكّد على ضرورته مرّات ، وأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله تحدّث

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج1
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 159950
الصفحه من 664
طباعه  ارسل الي