عن توجّسه وخيفته ؛ وها هو الآن البلاغ الأخير يقرع فؤاده : «يَـأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ»۱ .
«يَـأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ» .
مخاطبة رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعنوان الرسالة هو الخطاب الخليق بصفة التبليغ .
إيهٍ يا نبيّ اللّه ! هل تتوجّس ؟ تُساورك الخشية ، وتنتابك الخِيفة ؟ لكن أيّ شيء هو شأنك غير البلاغ والدعوة ؟ وهل لك مسؤوليّة اُخرى غير أن تصدع بكلمات اللّه وتجهر بها ؟ فادعُ ـ إذا ـ واصدع وبلّغ ، إنّما بدقّةٍ متناهية ، وبصيغة مؤثّرة وثابتة «وَ مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَا الْبَلَـغُ» .
«مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ» .
تُرى ما الذي «أُنزِلَ إِلَيْكَ» ؟ ولماذا لم يُصرّح به ؟ إنّما كان ذلك كي يكشف عن الموقع الرفيع الذي يحظى به الأمر . وجاء بهذه الصيغة إجلالاً وتعظيماً لذلك الأمر ، ولكي يُشير إلى أنّه ليس لرسول اللّه صلى الله عليه و آله من الأمر شيء ، ولا له فيه إرادة واختيار ، بل مهمّته الإبلاغ وحسب .
من جهة اُخرى تنمّ هذه الصيغة عن صحّة فراسة النبيّ لما كان يرتقبه من ردود فعل متوجّسة تصدر عن القوم ، ممّا جعل اللّه سبحانه يدع الأمر في هالة من الغموض والإبهام ، ما برحت تُلقي ظلالها على الموقف حتى تحين لحظة البلاغ ، وينطق النبيّ بكلمة السماء .