291
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج1

يتمتّعون بقاعدة فكريّة وسياسيّة صلبة تسمح لهم أن يفكّروا بالمستقبل ، ويتدبّروا أمره بشكل هادئ رصين ؛ فبقايا الجاهليّة لا تزال تملك أقداماً راسخة ، ولا تزال العصبيّات القبليّة تستأثر بنفوذ كبير في وجودهم .
كما أشرنا إلى أ نّهم لا يمتلكون الإدراك الكافي لمعرفة موقع رسول اللّه صلى الله عليه و آله والمكانة العليّة السامقة التي يحظى بها النبيّ ، فهم تارة ينظرون إليه بشراً عاديّاً يتكلّم في الرضى والغضب ۱ ، واُخرى يحثّونه على التزام العدالة ! وثالثة تثقل عليهم قراراته وما يأتي به ـ عن السماء ـ من أحكام حتى يستريبوا في أصل الرسالة ! ۲
فبعد هذا كلّه ، هل من المنطقي أن يكل النبيّ القائد أزمّة الاُمور ومستقبل الرسالة بيد مجتمع كهذا ، ثمّ يمضي قرير العين إلى ربّه !

ج : المنافقون والتيّارات الهدّامة من الداخل

اصطفّ كثيرون لمواجهة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومناهضة رسالته ، وهو في ذروة قوّته ، وفي أثناء ممارسته لحاكميّته . ومع أنّ هؤلاء كانوا يتظاهرون بالإيمان إلّا أ نّهم في باطنهم كانوا يعارضون دين الحقّ ، ويسعون لإطفاء أنواره بكلّ ما اُوتوا من جهد وقوّة . إنّ هذه المواجهة يمكن أن تعدّ أوسع مدىً وأشدّ وطأة من دائرة عمل المنافقين ؛ فهي تتخطّاها إلى تخوم أوسع كما تشهد على ذلك وقائع التاريخ ، وكما سنُشير إليه في حينه ، ومن ثمّ هل يمكن أن يكون رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد أغضى عن ذلك ؟ ۳ وهل يجوز أن نتصوّر أنّ هذا القائد العظيم أهمل هذا ـ وغيره ـ وترك الاُمّة

1.المستدرك على الصحيحين : ج۱ ص۱۸۷ ح۳۵۹ ، المصنّف لابن أبي شيبة : ج۶ ص۲۲۹ ح۴ .

2.راجع : ج ص ص ۵۷۱ (دراسة حول المارقين وجذور انحرافهم) ، ولمزيد الاطّلاع على طبيعة تعامل الصحابة مع النبيّ صلى الله عليه و آله راجع : كتاب «النصّ والاجتهاد» .

3.راجع : كتاب «المواجهة مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله » ، بالأخصّ الباب الثالث حيث استعرض فيه أبعاد هذه المواجهة ، وأشار إلى مصاديقها على أساس المصادر التاريخيّة القديمة .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج1
290

وتوشك أن تعصف بكيانه ، وهي :

أ : الفراغ القيادي

لم يكن قد مرّ وقت طويل على تأسيس الأبعاد الثقافيّة والاجتماعيّة والسياسيّة للمجتمع الذي أسّسه النبيّ صلى الله عليه و آله ، ومن ثَمّ كان النبيّ القائد يمسك بنفسه أزمّة الثقافة والسياسة والقضاء في هذا المجتمع .
على صعيد آخر حالت الحروب المتوالية وأجواء المواجهة الدائمة ، دون أن يتمكّن رسول اللّه صلى الله عليه و آله من تعميم ثقافة الرسالة ، ونفوذ معاييرها في واقع ذلك المجتمع ، وعلى مستوى جميع الأبعاد ؛ فما أكثر من حمل عنوان الصحبة وهو لم يتوفّر بعدُ على تصوّر عميق ودقيق لمبادئ الدين ، ولم ينطوِ على معرفة وافية بشخصيّة النبيّ وأبعاد الرسالة .
إنّ مجتمعاً كهذا حريّ به أن يواجه الزلزال ، ويُصبح على شفا أزمة عاصفة في اللحظة التي يختفي بها القائد ، وتحيطه أجواء محمومة يكتنفها الاضطراب من كلّ جانب ، مجتمع كهذا حريّ به أن يفقد قدرته على اتّخاذ القرار الصائب ، ولا يلبث أن يقع في الشباك المترصّدة ، ومن ثَمّ يصير طعمة سائغة لألاعيب الساسة وأحابيلهم .
فيا ترى ، هل يمكن مع هذا الواقع المتردّي ـ الذي سجّل له التاريخ أمثلة عمليّة كثيرة ـ أن نتصوّر الرسول القائد صلى الله عليه و آله يختار السلبيّة ، ويترك مثل هذا المجتمع للمجهول ، ويدع تحديد مصيره إليه ، دون أن يحمل همّ المستقبل !

ب : عدم نضج المجتمع

ركّزنا في نهاية النقطة السابقة على أنّ ورثة هذه الرسالة التغييريّة الشاملة لا

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج1
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 161243
الصفحه من 664
طباعه  ارسل الي