والإنسان على أيّ شاكلة متحصّلة وعلى أيّ نعت نفسانيّ وفعليّة داخليّة روحيّة كان ، فإنّ عمله يجري عليها وأفعاله تمثّلها وتحكيها ، كما أنّ المتكبّر المختال يلوح حاله في تكلّمه وسكوته وقيامه وقعوده وحركته وسكونه ، والذليل المسكين ظاهر الذلّة والمسكنة في جميع أعماله ، وكذا الشّجاع والجبان والسخيّ والبخيل والصبور والوقور والعجول وهكذا ، وكيف لا ، والفعل يمثّل فاعله ، والظّاهر عنوان الباطن ، والصّورة دليل المعنى .
وكلامه سبحانه يصدّق ذلك ويبني عليه حججه في موارد كثيرة ، كقوله تعالى : (وما يَسْتَوي الأعْمى والبَصيرُ * ولا الظُّلُماتُ ولا النُّورُ * ولا الظِّلُّ ولا الحَرورُ * وما يَسْتَوي الأحْياءُ ولا الأمْواتُ)۱ وقوله : (الخَبيثاتُ لِلخَبيثينَ والخَبيثونَ لِلخَبيثاتِ والطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبينَ والطَّيِّبونَ لِلطَّيِّباتِ)۲ إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة .
وقوله تعالى : (كُلٌّ يَعْمَلُ على شاكِلَتِهِ)۳ محكم في معناه على أيّ معنىً حملنا الشاكلة ، غير أنّ اتّصال الآية بقوله : (ونُنَزِّلُ مِنَ القرآنِ ما هُو شِفاءٌ و رَحْمَةٌ لِلمُؤمنينَ ولا يَزيدُ الظّالِمينَ إلّا خَساراً)۴ ، ووقوعها في سياق أنّ اللَّه سبحانه يربح المؤمنين ويشفيهم بالقرآن الكريم والدعوة الحقّة ويخسر به الظالمين لظلمهم ، يقرّب كون المراد بالشاكلة الشاكلة بالمعنَى الثّاني ؛ وهي الشخصيّة الخلقيّة الحاصلة للإنسان من مجموع غرائزه والعوامل الخارجيّة الفاعلة فيه .
كأ نّه تعالى لمّا ذكر استفادة المؤمنين من كلامه الشفاء والرحمة وحرمان الظالمين من ذلك وزيادتهم في خسارهم ، اعترضه معترض في هذه التّفرقة ، وأ نّه لو سوّى بين الفريقين في الشفاء والرحمة كان ذلك أوفى لغرض الرسالة وأنفع لحال الدعوة ، فأمر رسوله صلى اللَّه عليه وآله أن يجيبهم في