النیة - الصفحه 8

والإنسان على‏ أيّ شاكلة متحصّلة وعلى‏ أيّ نعت نفسانيّ وفعليّة داخليّة روحيّة كان ، فإنّ عمله يجري عليها وأفعاله تمثّلها وتحكيها ، كما أنّ المتكبّر المختال يلوح حاله في تكلّمه وسكوته وقيامه وقعوده وحركته وسكونه ، والذليل المسكين ظاهر الذلّة والمسكنة في جميع أعماله ، وكذا الشّجاع والجبان والسخيّ والبخيل والصبور والوقور والعجول وهكذا ، وكيف لا ، والفعل يمثّل فاعله ، والظّاهر عنوان الباطن ، والصّورة دليل المعنى‏ .
وكلامه سبحانه يصدّق ذلك ويبني عليه حججه في موارد كثيرة ، كقوله تعالى‏ : (وما يَسْتَوي الأعْمى‏ والبَصيرُ * ولا الظُّلُماتُ ولا النُّورُ * ولا الظِّلُّ ولا الحَرورُ * وما يَسْتَوي الأحْياءُ ولا الأمْواتُ)۱ وقوله : (الخَبيثاتُ لِلخَبيثينَ والخَبيثونَ لِلخَبيثاتِ والطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبينَ والطَّيِّبونَ لِلطَّيِّباتِ)۲ إلى‏ غير ذلك من الآيات الكثيرة .
وقوله تعالى‏ : (كُلٌّ يَعْمَلُ على‏ شاكِلَتِهِ)۳ محكم في معناه على‏ أيّ معنىً حملنا الشاكلة ، غير أنّ اتّصال الآية بقوله : (ونُنَزِّلُ مِنَ القرآنِ ما هُو شِفاءٌ و رَحْمَةٌ لِلمُؤمنينَ ولا يَزيدُ الظّالِمينَ إلّا خَساراً)۴ ، ووقوعها في سياق أنّ اللَّه سبحانه يربح المؤمنين ويشفيهم بالقرآن الكريم والدعوة الحقّة ويخسر به الظالمين لظلمهم ، يقرّب كون المراد بالشاكلة الشاكلة بالمعنَى الثّاني ؛ وهي الشخصيّة الخلقيّة الحاصلة للإنسان من مجموع غرائزه والعوامل الخارجيّة الفاعلة فيه .
كأ نّه تعالى‏ لمّا ذكر استفادة المؤمنين من كلامه الشفاء والرحمة وحرمان الظالمين من ذلك وزيادتهم في خسارهم ، اعترضه معترض في هذه التّفرقة ، وأ نّه لو سوّى‏ بين الفريقين في الشفاء والرحمة كان ذلك أوفى‏ لغرض الرسالة وأنفع لحال الدعوة ، فأمر رسوله صلى اللَّه عليه وآله أن يجيبهم في

1.فاطر : ۱۹ - ۲۲ .

2.النور : ۲۶ .

3.الإسراء : ۸۴ .

4.الإسراء : ۸۲ .

الصفحه من 18