43
بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)

إلى خلقك بحسن الصنيع ، كأنّ بك الحاجة إليهم ، وأنت يا سيّدي الغنيُّ عنهم.
ثُمَّ خرّ إلى الأرض ساجدا ، فدنوت منه وَشُلت برأسه ۱ ، فوضعته على ركبتي ، وبكيت حتّى جرت دموعي على خدّه ، فاستوى عليه السلام جالسا فقال : مَن الّذي أشغلني عن ذكر ربّي؟ فقلت : أنا طاووس يابن رسول اللّه ، ما هذا الجزع والفزع؟ ونحن يلزمنا أن نفعل مثل هذا ، ونحن عاصون خافون (حافون) ، أبوك الحسين بن عليّ عليهماالسلام ، واُمّك فاطمة الزّهراء عليهاالسلام ، وجدّك رسول اللّه صلى الله عليه و آله ! فالتفت إليَّ وقال :
هيهات هيهات يا طاووس! دع عنّي حديث أبي واُمّي وجدّي ، خلق اللّه الجنة لمن أطاعهُ وأحسن ، وإن كان عبدا حبشيّا ، وخلق اللّه النّار لمن عصاه وإن كان ولدا قرشيّا ، أما سمعت قوله تعالى : « فَإِذَا نُفِخَ فِى الصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَـلـءِذٍ وَ لاَ يَتَسَآءَلُونَ »۲ . واللّه ما ينفعك غدا ، إلاّ تقدمة تُقدّمها من عمل صالح . ۳

(ومن كلام له عليه السلام)

(احتجّ به ، وانتصر أباه عليّا عليه السلام)

۰.لمّا جاء إليه رجل من أهل البصرة فقال : يا عليّ بن الحسين ، إنّ جدّك عليّ بن أبي طالب قتل المؤمنين ! فهملت عينا عليّ بن الحسين عليه السلام دموعا حتّى امتلأت كفّه منها ، ثُمَّ ضرب بها على الحصى ، ثُمَّ قال عليه السلام : يا أخا أهل البصرة ، لا واللّه ما قتل عليّ عليه السلام مؤمنا ، ولا قتل مسلما ، وما أسلم القوم ، ولكن استسلموا وكتموا الكفر ، وأظهروا الإسلام ، فلمّا وجدوا على الكفر أعوانا أظهروه ،

1.«وَشُلْتُ بالشيء» ـ بالضمّ ـ : أي رفعته (بحار الأنوار) .

2.المؤمنون : ۱۰۱ .

3.الصحيفة السجادية ، دعائه عليه السلام في السحر ، رقم۹۱ ؛ مناقب آل أبي طالب ، ابن شهرآشوب ، ج۳ ، ص۲۹۱ ؛ بحار الأنوار ، ج۴۶ ، ص۸۱ ، و ج۸۷ ، ص۲۰۰.


بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)
42

(ومن كلام له عليه السلام)

(في المناجاة وفيما أجاب به طاووس الفقيه )

۰.قال : رأيته يطوف من العشاء إلى السحر ويتعبّد ، فلمّا لم يرَ أحدا ، رمق ۱ السماء بطرفه وقال :
إلهي ، غارت نجوم سماواتك ، وهجعت عيون أنامك ، وأبوابك مفتّحات للسّائلين ، جئتك لتغفر لي وترحمني وتُريني وجه جدّي محمّد صلى الله عليه و آله في عرصات القيامة ، ثُمَّ بكى وقال :
وعزّتك وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك ، وما عصيتك إذ عصيتك وأنا بك شاكّ ، ولا بنكالك جاهل ، ولا لعقوبتك متعرّض ، ولكن سوّلت لي ۲ نفسي ، وأعانني على ذلك سترك المُرخي به عليَّ ، فأنا الآن من عذابك مَن يستنقذني؟ وبحبل من اعتصم إن قطعت حبلك عنّي؟ فواسوأتاه غدا من الوقوف بين يديك ، إذا قيل للمخفين جوزوا ، وللمثقلين حُطّوا ، أمع المخفّين أجوز ، أم مع المثقلين أحطّ؟ ويلي ويلي! كلّما طال عمري كثرت خطاياي ولم أتب ، أما آن لي أن أستحي من ربّي!
ثُمَّ بكى ، وأنشأَ يقول :

أتُحرقني بالنّار يا غاية المُنىفأين رجائي ثُمَّ أين محبّتي
أتيت بأعمال قباح زرّية۳وما في الورى خلق جنى كجنايتي
ثُمَّ بكى عليه السلام وقال: سبحانك تُعصى كأنّك لاتُرى! وتحلم كأنّك لم تُعصَ! تتودّد

1.«رمقه» : أطال النظر إليه.

2.في نسخة : «سمك لي» .

3.«زريّة» ـ بتقديم المعجمة ـ : من قولهم : «زرى عليه» ، أي عابه وعاتبه ، وفي بعض النسخ : «ردّية» .

  • نام منبع :
    بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)
    المساعدون :
    الحائری، جعفر عباس
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1425 ق / 1383 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 239183
الصفحه من 336
طباعه  ارسل الي