105
بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)

فلمّا سمع الناس كلامه ضجّوا بالبكاء والنحيب ، وعلت الأصوات ، فخاف يزيد الفتنة ، فأمر المؤذن أن يقطع عليه خطبته ۱ ، فصعد المنبر وأذّن ، وقال : اللّه أكبر ، قال الإمام عليه السلام : «كبّرت تكبيرا ، وعظّمت تعظيما وقلت حقّا» ، ثُمَّ قال المؤذّن : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، فقال الإمام : «أشهد بها مع كلّ شاهد ، وأقرّ بها مع كلّ جاحد» . ثُمَّ قال المؤذّن : أشهد أن محمّدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال الإمام بعد أن بكى بكاءً عاليا : «يا يزيد ، أسألك باللّه ، محمّد جدّي أم جدّك؟». فقال يزيد : بل جدّك ، فقال الإمام : «فلم قتلت أهل بيته؟ وقتلت أبي ، وأيتمتني على صغر سنّي ؟» فما أجابه ، ورجع إلى محلّه ، وقال : ليس لي حاجة بالصلاة . ۲
أقول : كرّرت هذه الخطبة للاختلاف الكثير فيها ، بحيث يستقلّ كل واحد منها أن تكون رأسا بعينها ، والمسك ما كرّرته يتضوّع .

(وم ن خطبة له عليه السلام)

(لما وصل إلى المدينة فأومأ بيده أن اسكتوا ، فسكنت فورتهم)

۰.فقال : الحمد للّه ربّ العالمين الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، بارئ الخلائق أجمعين ، الّذي بَعُدَ فارتفع في السماوات العُلى ، وقرب فشهد النجوى ، نحمده على عظام الأُمور ، وفجائع الدهور ، وألم الفجائع ، ومضاضة اللواذع ، وجليل الرُّزء ، وعظيم المصائب الفاظعة الكاظّة ۳ ، الفادحة الجائحة ۴ .
أيّها القوم ـ النّاس ـ : أنّ اللّه تعالى ـ وله الحمد ـ ابتلانا بمصائب جليلة ، وثلمة في الإسلام عظيمة ، قُتل أبو عبد اللّه الحسين عليه السلام وعترته ، وسُبي نساؤه وصبيته ،

1.في نسخةٍ هكذا : «ولمّا سمع يزيد هذه الكلمات من الإمام ، غضب غضبا شديدا ، بعد أن توجّه قلوب الناس إليه ، ثُمَّ أمر المؤذّن أن يقطع خطبته» .

2.مقتل أبي مخنف ، ص۲۱۴ .

3.«كظّه الأمر كظّا» : كربه وجهده .

4.«الجائحة» : كلّ مصيبة عظيمة .


بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)
104

(ومن خطبة له عليه السلام)

(في الشام أيضا في نسخة أُخرى)

۰.بعد أن صعد الخطيب المنبر ، فخطب ونزل ، فتكلّم الإمام معه فاعتذر . ثُمَّ صعد الإمام المنبر ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، وصلّى على نبيّه . وقال :
أيّها الناس من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا اُعرّفه بنفسي ، فأنا عليّ بن الحسين بن عليّ المرتضى ـ صلوات اللّه عليه وسلامه ـ ، أنا ابن من حجّ ولبّى ، أنا ابن من طاف وسعى ، أنا ابن زمزم والصفا ، أنا ابن فاطمة الزهراء . أنا ابن المذبوح من القفا ، أنا ابن العطشان حتّى قضى ، أنا ابن من منعوه عن الماء وأحلّوه على سائر الورى ، أنا ابن محمّد المصطفى صلى الله عليه و آله ، أنا ابن صريع كربلاء ، أنا ابن من راحت أنصاره تحت الثرى ، أنا ابن من غدت حريمه أسرى ، أنا ابن من ذُبحت أطفاله من غير سوء ، أنا ابن من أضرم الأعداء في خيمته لظى ، أنا ابن من أضحى صريعا بالعرى ۱ ، أنا ابن من لا له غسل ولا كفن يرى ، أنا ابن من رفعوا رأسه على القنا ، أنا ابن من هُتك حريمه بأرض كربلاء ، أنا ابن من جسمه بأرض ورأسه باُخرى ، أنا ابن من لا يرى حوله غير الأعداء ، أنا ابن من سُبيت حريمه وإلى الشّام تهدى ، أنا ابن من لا ناصر له ولا حمى . ثُمَّ بكى وقال :
أيّها النّاس ، قد فضّلنا اللّه بخمس خصال : فينا واللّه مختلف الملائكة ، ومعدن الرسالة ، وفينا نزلت الآيات ، ونحن قُدْنا العالمين للهدى ، وفينا الشجاعة فلم نخف بأسا ، وفينا البراعة والفصاحة ، إذا افتخر الفصحاء ، وفينا الهدى إلى سواء السبيل ، والعلم لمن أراد أن يستفيد علما ، والمحبّة في قلوب المؤمنين من الورى ، ولنا الشأن الأعلى في الأرض والسماء ، ولولانا ما خلق اللّه الدنيا ، وكلّ فخر دون فخرنا يهوى ، ومحبّنا يسقى ، ومبغضنا يوم القيامة يشقى .

1.في نسخةٍ «بالنقى» . وفي نسخة : «الثّرى» .

  • نام منبع :
    بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)
    المساعدون :
    الحائری، جعفر عباس
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1425 ق / 1383 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 237742
الصفحه من 336
طباعه  ارسل الي