191
ميزان الحکمه المجلّد التّاسع

اللَّهَ في دارِ قُدسِهِ ، وتَكونوا أعَزَّ أوليائهِ عِندَهُ ؟! هَيهاتَ ! لا يُخدَعُ اللَّهُ عَن جَنَّتِهِ ، ولا تُنالُ مَرضاتُهُ إلّا بطاعَتِهِ ، لَعَنَ اللَّهُ الآمِرينَ بالمَعروفِ التّارِكينَ لَهُ ، والنّاهِينَ عَنِ المُنكَرِ العامِلينَ بهِ .۱

۲۰۹۰۳.بحار الأنوار عن كميل بن زياد عن الإمام عليٍّ عليه السلام : النّاسُ ثَلاثَةٌ : عالِمٌ رَبّانيٌّ ، ومُتَعَلِّمٌ على‏ سَبيلِ نَجاةٍ ، وهَمَجٌ رَعاعٌ ، أتباعُ كُلِّ ناعِقٍ ، يَميلونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ ، لَم يَستَضيئوا بنُورِ العِلمِ ، ولَم يَلجؤوا إلى‏ رُكنٍ وَثيقٍ ...
ثُمّ قالَ : آهِ آهِ ! إنّ هاهُنا عِلماً جَمّاً لَو أصَبتُ لَهُ حَمَلَةً - وأشارَ بِيَدِهِ إلى‏ صَدرِهِ - ثُمّ قالَ : اللّهُمّ بَلى‏، قَد أصَبتُ لَقِناً غَيرَ مَأمونٍ علَيهِ ، يَستَعمِلُ آلَةَ الدِّينِ للدُّنيا ، يَستَظهِرُ بنِعَمِ اللَّهِ على‏ عِبادِهِ وبحُجَجِهِ على‏ كِتابِهِ ، أو مُعانِدٌ لأهلِ الحَقِّ يَنقَدِحُ الشَّكُّ في قَلبِهِ بأوَّلِ عارِضٍ مِن شُبهَةٍ ، لا ذا ولا ذاكَ ، بَل مَنهوماً باللَّذّاتِ ، سَلِسَ القِيادِ للشَّهَواتِ ، مُغرىً بجَمعِ الأموالِ والادِّخارِ ، لَيس مِن الدِّينِ في شَي‏ءٍ ، أقرَبُ شَبَهاً بالبَهائمِ السّائمَةِ ، كَذلكَ يَموتُ العِلمُ بمَوتِ حامِليهِ .
اللّهُمّ بلى‏ ، لَن تَخلوَ الأرضُ مِن قائمٍ للَّهِ بحُجَّةٍ لكَيلا تَبطُلَ حُجَجُ اللَّهِ على‏ عِبادِهِ ، اُولئكَ هُمُ الأقلُّونَ عَدَداً ، الأعظَمونَ عِندَ اللَّهِ قَدراً .۲

۲۰۹۰۴.الإمامُ عليٌّ عليه السلام: الرِّجالُ ثَلاثَةٌ: عاقِلٌ، وأحمَقُ، وفاجِرٌ ؛ فالعاقِلُ الدِّينُ شَريعَتُهُ ، والحِلمُ طَبيعَتُهُ ، والرّأيُ سَجيَّتُهُ ، إن سُئلَ أجابَ ، وإن تَكَلَّمَ أصابَ ، وإن سَمِعَ وَعى‏ ، وإن حَدَّثَ صَدَقَ ، وإنِ اطمَأنَّ إلَيهِ أحَدٌ وَفى‏ .
والأحمَقُ إنِ استُنبِهَ بجَميلٍ غَفَلَ ، وإنِ استُنزِلَ عَن حَسَنٍ تَرَكَ ، وإن حُمِلَ على‏ جَهلٍ جَهِلَ ، وإن حَدَّثَ كَذَبَ . لا يَفقَهُ وإن فُقِّهَ لَم يَفقَهْ .
والفاجِرُ إنِ ائتَمَنتَهُ خانَكَ ، وإن صاحَبتَهُ شانَكَ ، وإن وَثِقتَ بهِ لَم يَنصَحْكَ .۳

1.نهج البلاغة : الخطبة ۱۲۹ .

2.بحار الأنوار : ۷۸ / ۷۶ / ۴۶ .

3.بحار الأنوار : ۷۰ / ۹ / ۶ .


ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
190

قَد طامَنَ مِن شَخصِهِ، وقارَبَ مِن خَطوِهِ ، وشَمَّرَ مِن ثَوبِهِ ، وزَخرَفَ مِن نَفسِهِ للأمانَةِ ، واتَّخَذَ سِرَّ اللَّهِ تعالى‏ ذَريعَةً إلَى المَعصيَةِ .
ومِنهُم مَن أقعَدَهُ عَن طَلَبِ المُلكِ ضُؤولَةُ نَفسِهِ ، وانقِطاعُ سَبَبِهِ ، فقَصَرَتهُ الحالُ على‏ حالِهِ ، فتَحَلّى‏ باسمِ القَناعَةِ ، وتَزَيَّنَ بلِباسِ أهلِ الزَّهادَةِ، ولَيسَ مِن ذلكَ في مَراحٍ ولا مَغدى‏ .۱
وبَقِيَ رِجالٌ غَضَّ أبصارَهُم ذِكرُ المَرجِعِ، وأراقَ دُموعَهُم خَوفُ المَحشَرِ، فهُم بَينَ شَريدٍ ناءٍ، وخائفٍ مَقموعٍ ، وساكِتٍ مَكعومٍ‏۲ ، وداعٍ مُخلِصٍ ، وثَكلانَ مَوجَعٍ ، قَد أخمَلَتهُمُ التَّقيَّةُ ، وشَمِلَتهُمُ الذُّلّةُ فهُم في بَحرٍ اُجاجٍ ، أفواهُهُم خامِرَةٌ وقُلوبُهُم قَرِحَةٌ ، قد وَعَظوا حتى‏ مَلُّوا ، وقُهِروا حتّى‏ ذَلُّوا ، وقُتِلوا حتّى‏ قَلُّوا ، فلتَكُنِ الدُّنيا عِندَكُم أصغَرَ مِن حُثالَةِ القَرَظِ۳ ، وقُراضَةِ الجَلَمِ‏۴ ، واتَّعِظوا بمَن كانَ قَبلَكُم قَبلَ أن يَتَّعِظَ بِكُم مَن بَعدَكُم .۵

۲۰۹۰۲.عنه عليه السلام : اِضرِبْ بطَرفِكَ حَيثُ شِئتَ مِن النّاسِ، فهَل تُبصِرُ إلّا فَقيراً يُكابِدُ فَقراً ، أو غَنِيّاً بَدَّلَ نِعمَةَ اللَّهِ كُفراً ، أو بَخيلاً اتَّخَذَ البُخلَ بحَقِّ اللَّهِ وَفراً ، أو مُتَمَرِّداً كأنّ باُذُنِهِ عَن سَمعِ المَواعِظِ وَقراً ؟! أينَ خِيارُكُم وصُلَحاؤكُم ؟! وأينَ أحرارُكُم وسُمَحاؤكُم ؟! وأينَ المُتَورِّعونَ في مَكاسِبِهِم ، والمُتَنَزِّهونَ في مَذاهِبِهِم ؟! ألَيسَ قَد ظَعَنوا جَميعاً عَن هذهِ الدُّنيا الدَّنِيَّةِ ، والعاجِلَةِ المُنَغِّصَةِ۶ ؟ ! ...
فإنّا للَّهِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ ، ظَهَرَ الفَسادُ فَلا مُنكِرٌ مُغيِّرٌ ، ولا زاجِرٌ مُزدَجِرٌ ، أفبِهذا تُريدونَ أن تُجاوِروا

1.المَرَاح : بالفتح، الموضع الذي يروح إليه القوم أو يروحون منه، كالمَغْدَى، للموضع الذي يُغدى‏ منه (النهاية : ۲ / ۲۷۳) .

2.قَمَعْتُه : قهرته وأذللته، الكِعامُ : شي‏ء يجعل في فم البعير ، كَعَمت البعير : إذا شددت به فمه في هياجه فهو مكعوم (الصحاح : ۳ / ۱۲۷۲ وج ۵ / ۲۰۲۳) .

3.الحُثالة - بالضمّ - : مايسقط من قشر الشعير والأرز والتمر ونحو ذلك . والقَرَظ : ورق السَّلم يُدبغ به الأديم (مجمع البحرين : ۱ / ۳۵۹ وج ۳ / ۱۴۶۷) .

4.الجَلَم : الذي يُجَزّ به الشَّعر والصوف (النهاية : ۱ / ۲۹۰) .

5.بحار الأنوار : ۷۸ / ۴ / ۵۴ .

6.في بحار الأنوار : ۱۰۳ / ۱۰۸ / ۸ «المنقضية».

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلّد التّاسع
عدد المشاهدين : 156598
الصفحه من 643
طباعه  ارسل الي