شرح حديث «نية المؤمن خير من عمله» - الصفحه 341

في الجواهر ، المراد به النية الشرعية التي يمكن إيقاع الفعل بدونها ، المعبَّر عنها تارةً بقصد القربة وتارةً بالإخلاص ، ولا يقع الفعل مجزيا ولا معتبرا عند الشارع إلاّ بها ، كما أوضحته في ذلك الكتاب وفي المسائل الحسينية ، ولابد أن أذكر هنا حديثا واحدا ذكرته في كتابي الأربعين ، وهو ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن الصادق عليه السلام في قول اللّه عز و جل : «لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً »۱ قال : ليس يعني أكثركم عملاً ، ولكن أصوبكم عملاً ، وإنما الإصابة خشية اللّه والنية الصادقة ـ ثم قال : ـ العمل الخالص الذي لا تريد أن يمدحك عليه أحد إلاّ اللّه عز وجل ، والنية أفضل من العمل . ۲
وهذا هو الحديث الذي نقلناه قبيل هذا ، وذكرنا أن البهائي ذكر ما ذكر عند شرحه فأقول :
إن قوله عليه السلام : «العمل الخالص» يمكن أن يكون متعلقا بقوله «أصوبكم عملاً» وبيانا ۳ له ، ويمكن أن يتعلق بقوله «والنية الصادقة» ، فعلى الأول يكون عليه السلام قد أشار إلى أن العمل الصائب هو العمل الخالص ، والخلوص ينشأ من خشية اللّه والنية الصادقة ، وعلى الثاني يكون إشارة إلى أن صدق النية عبارة عن خلوصها ، فمعنى كونها صادقة هو أن يكون خالصة ، فإذا خلصت خلص العمل وأصاب ، وعلى كلا التقديرين يكون قوله عليه السلام : «والنية أفضل من العمل» كالنتيجة الحاصلة من ذلك المتفرعة عليه ؛ لأن العمل إذا لم يكن صوابا إلاّ بالنية الخالصة فلا حكم له ولا أثر بدونها ، فيكون بمنزلة الجسد بلا روح ، فالنية للعمل بمنزلة الروح للجسد التي بها حياته وتأثيره ؛ كما قرّره الشارحون لقول النبي صلى الله عليه و آله : إن اللّه لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم ونياتكم ، بأنه أشار صلى الله عليه و آله في هذا الكلام إلى أن النيات للأعمال بمنزلة الأرواح للصور والأشباح .
وقد صرّح بذلك في رواية اُخرى أيضا، ولا شك أن الروح أفضل وأشرف من البدن.

1.سورة الملك ، الآية ۲ .

2.الكافي ، ج۲ ، ص۱۶ ؛ بحار الأنوار ، ج۶۷ ، ص۲۳۰ ، بيروت : مؤسسة الوفاء ، ۱۱۰ مجلدا ، الطبعة الثانية .

3.في المخطوطة : «بيان» .

الصفحه من 346