89
ميزان الحکمه المجلد الثامن

في حفظ هذه الوديعة الإلهيّة عن الضيعة ؛ ممّا لاستر عليه ، ولا حاجة إلى‏ إيراد دليلٍ كتابيٍّ يؤدّي إليه ، فقد تضمّن القرآن آياتٍ كثيرةً متكثّرة في الدلالة على‏ ذلك تصريحاً وتلويحاً وبكلّ لسان وبيان .
ولم يهمل القرآن مع ذلك أمر العواطف الحسنة الطاهرة ، ومهامّ آثارها الجميلة التي يتربّى‏ بها الفرد ، ويقوم بها صُلب المجتمع ، كقوله : (أشِدّاءُ علَى الكُفّارِ رُحَماءُ بَينَهُم)۱ وقولهِ : (لِتَسْكُنوا إلَيها وجَعلَ بَينَكُم مَوَدّةً ورَحْمَةً)۲وقولهِ : (قُلْ مَن حَرّمَ زِينَةَ اللَّهِ الّتي أخْرَجَ لِعبادِهِ والطَّيّباتِ مِن الرِّزْقِ)۳، لكنّه عدلها بالموافقة لحكم العقل ، فصار اتّباع حكم هذه العواطف والميول اتّباعاً لحكم العقل.
وقد مرّ في بعض المباحث السابقة أنّ من حفظ الإسلام لجانب العقل وبنائه أحكامه المشرّعة على‏ ذلك أنّ جميع الأعمال والأحوال والأخلاق التي تبطل استقامة العقل في حكمه ، وتوجب خبطه في قضائه وتقويمه لشؤون المجتمع - كشرب الخمر والقمار وأقسام المعاملات الغرريّة والكذب والبهتان والافتراء والغيبة - كلّ ذلك محرّمة في الدِّين .
والباحث المتأمّل يحدس من هذا المقدار أنّ من الواجب أن يفوّض زمام الاُمور الكلّيّة والجهات العامّة الاجتماعيّة - التي ينبغي أن تدبّرها قوة التعقّل ، ويجتنب فيها من حكومة العواطف والميول النفسانيّة ، كجهات الحكومة والقضاء والحرب - إلى‏ من يمتاز بمزيد العقل ويضعف فيه حكم العواطف ، وهو قبيل الرجال دون النساء .
وهو كذلك ؛ قال اللَّه تعالى‏ : (الرِّجالُ قَوّامونَ علَى النِّساءِ) . والسنّة النبويّة التي هي ترجمان البيانات القرآنيّة بيّنت ذلك كذلك ، وسيرته صلى اللَّه عليه وآله جرت على‏ ذلك أيّام حياته ، فلم يُوَلِّ امرأةً على‏ قوم ، ولا أعطى‏ امرأة منصب القضاء ، ولا دعاهنَّ إلى غزاة بمعنى‏ دعوتهنّ إلى‏ أن يُقاتِلن .

1.الفتح : ۲۹ .

2.الروم : ۲۱ .

3.الأعراف : ۳۲ .


ميزان الحکمه المجلد الثامن
88

بشؤون الزوجيّة والمعاشرة المنزليّة . وهذا مع ذلك حكم يتبع في سعته وضيقه علّته، أعني قيمومة الرجل علَى المرأة قيمومة زوجيّة ، فعليها أن تقنت له وتحفظه فيما يرجع إلى‏ ما بينهما من شؤون الزوجيّة .
وبعبارةٍ اُخرى : كما أنّ قيمومة قبيل الرجال على‏ قبيل النساء في المجتمع إنّما تتعلّق بالجهات العامّة المشتركة بينهما المرتبطة بزيادة تعقّل الرجل وشدّته في البأس ، وهي جهات الحكومة والقضاء والحرب - من غير أن يبطل بذلك ما للمرأة من الاستقلال في الإرادة الفرديّة وعمل نفسها بأن تريد ما أحبّت وتفعل ما شاءت من غير أن يحقّ للرجل أن يعارضها في شي‏ءٍ من ذلك في غير المنكر، فلا جناح عليهم فيما فَعَلن في أنفسهنّ بالمعروف - كذلك قيمومة الرجل لزوجته ليست بأن لاتنفذ للمرأة فيما تملكه إرادة ولا تصرّفٌ ، ولا أن لا تستقلّ المرأة في حفظ حقوقها الفرديّة والاجتماعيّة والدفاع عنها والتوسّل إليها بالمقدّمات الموصلة إليها ، بل معناها أنّ الرجل إذ كان ينفق ما ينفق من ماله بإزاء الاستمتاع فعليها أنْ تطاوعه وتطيعه في كلّ ما يرتبط بالاستمتاع والمباشرة عند الحضور ، وأن تحفظه في الغيب فلا تخونه عند غيبته بأن توطئ فراشَه غيرَه ، وأن تمتّع لغيره من نفسها ما ليس لغير الزوج التمتّع منها بذلك ، ولا تخونه فيما وضعه تحت يدها من المال وسلّطها عليه في ظرف الازدواج والاشتراك في الحياة المنزليّة .۱

كلامٌ في معنى‏ قيمومةِ الرّجالِ علَى النّساء:

تقوية القرآن الكريم لجانب العقل الإنسانيّ السليم ، وترجيحه إيّاه علَى الهوى‏ واتّباع الشهوات ، والخضوع لحكم العواطف والإحساسات الحادّة ، وحضّه وترغيبه في اتّباعه ، وتوصيته

1.الميزان في تفسير القرآن : ۴/۳۴۳ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 147226
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي