209
ميزان الحکمه المجلد الثامن

ويَومَ يَموتُ فيُعايِنُ الآخِرَةَ وأهلَها ، ويَومَ يُبعَثُ فيَرى‏ أحكاماً لَم يَرَها في دارِ الدُّنيا... .۱

التّفسير :

قوله تعالى‏ : (الّذي خَلَقَ المَوتَ والحَياةَ لِيَبلُوَكُمْ أيُّكُمْ أحْسَنُ عَمَلاً وهُوَ العَزيزُ الغَفورُ)، الحياة كون الشّي‏ء بحيث يشعر ويريد، والموت عدم ذلك ، لكنّ الموت - على‏ مايظهر من تعليم القرآن - انتقال من نشأة من نشآت الحياة إلى‏ نشأة اُخرى‏ كما تقدّم استفادة ذلك من قوله تعالى‏ : (نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ المَوتَ - إلى‏ قولهِ : - فيما لا تَعلمونَ)۲ ، فلا مانع من تعلّق الخلق بالموت كالحياة . على‏ أنّه لو اُخذ عدميّاً كما عند العرف فهو عدم ملكة الحياة وله حظّ من الوجود يصحّح تعلّق الخلق به ، كالعمى‏ من البصر والظّلمة من النّور .
وقوله : (لِيَبلُوَكُمْ أيُّكُمْ أحْسَنُ عَمَلاً)، غاية خلقه تعالى‏ الموت والحياة ، والبلاء الامتحان . والمراد أنّ خلقكم هذا النّوع من الخلق - وهو أنّكم تحيَون ثمّ تموتون - خلق مقدّميّ امتحانيّ يمتاز به منكم من هو أحسن عملاً من غيره . ومن المعلوم أنّ الامتحان والتّمييز لايكون إلّا لأمرٍ ما يستقبلكم بعد ذلك، وهو جزاء كلّ بحسب عمله .
وفي الكلام مع ذلك إشارة إلى‏ أنّ المقصود بالذّات من الخلقة هو إيصال الخير من الجزاء ، حيث ذكر حسن العمل وامتياز من جاء بأحسنه ؛ فالمحسنون عملاً هم المقصودون بالخلقة، وغيرهم مقصودون لأجلهم .
وقد ذيّل الكلام بقوله : (وهُوَ العَزيزُ الغَفورُ) فهو العزيز لأنّ الملك والقدرة المطلقين له وحده فلا يغلبه غالب ، وما أقدر أحداً على‏ مخالفته إلّا بلاءً وامتحاناً وسينتقم منهم . وهو الغفور لأنّه يعفو عن كثيرٍ من سيّئاتهم في الدّنيا وسيغفر كثيراً منها في الآخرة كما وعد .

1.عيون أخبار الرِّضا : ۱/۲۵۷/۱۱ .

2.الواقعة : ۶۰ و ۶۱ .


ميزان الحکمه المجلد الثامن
208

أسبابَها ، وجَعَلَهُ خالِجاً لأشطانِها۱ ، وقاطِعاً لِمَرائرِ أقرانِها۲.۳

۱۹۱۵۵.عنه عليه السلام : الحَمدُ للَّهِ الّذي شَرَعَ الإسلامَ فسَهَّلَ شَرائعَهُ لِمَن وَرَدَهُ ... التَّصديقُ مِنهاجُهُ ، والصّالِحاتُ مَنارُهُ ، والمَوتُ غايَتُهُ ، والدُّنيا مِضمارُهُ ، والقِيامَةُ حَلبَتُهُ ، والجَنَّةُ سُبقَتُهُ .۴

۱۹۱۵۶.عنه عليه السلام : إنّ المَوتَ هادِمُ لَذّاتِكُم ، ومُكَدِّرُ شَهَواتِكُم ، ومُباعِدُ طَيّاتِكُم ، زائرٌ غيرُ مَحبوبٍ ، وقَرنٌ غيرُ مَغلوبٍ ، وواتِرٌ غيرُ مَطلوبٍ ، قد أعلَقَتكُم حَبائلُهُ ... فيُوشِكُ أن تَغشاكُم دَواجي ظُلَلِهِ ، واحتِدامُ عِلَلِهِ .۵

۱۹۱۵۷.عنه عليه السلام : إن للَّهِ مَلَكاً يُنادي في كلِّ يَومٍ : لِدُوا لِلمَوتِ ، واجمَعوا لِلفَناءِ ، وابنُوا لِلخَرابِ .۶

۱۹۱۵۸.الإمامُ زينُ العابدينَ عليه السلام : أشَدُّ ساعاتِ ابنِ آدمَ ثلاثُ ساعاتٍ : السّاعَةُ التي يُعايِنُ فيها ملَكَ المَوتِ ، والسّاعَةُ الّتي يَقومُ فيها مِن قَبرِهِ ، والسّاعَةُ التي يَقِفُ فيها بينَ يَدَيِ اللَّهِ تباركَ وتعالى‏ ، فإمّا إلَى الجَنّةِ ، وإمّا إلَى النّارِ... .۷

۱۹۱۵۹.الإمامُ الصّادقُ عليه السلام : إنّ قَوماً أتَوا نَبيّاً فقالُوا : اُدعُ لَنا ربَّكَ يَرفَعْ عنّا المَوتَ ، فدَعا لَهُم فَرفَعَ اللَّهُ تباركَ وتعالى‏ عنهُمُ المَوتَ، وكَثُروا حتّى‏ ضاقَت بهِمُ المَنازِلُ وكَثُرَ النَّسلُ ، وكانَ الرّجُلُ يُصبِحُ فيَحتاجُ أن يُطعِمَ أباهُ واُمَّهُ وجَدَّهُ وجَدَّ جدِّهِ ويُرضِيَهُم‏۸ ويَتعاهَدَهُم ، فشُغِلوا عن طَلَبِ المَعاشِ ، فأتَوهُ فقالوا : سَلْ ربَّكَ أن يَرُدَّنا إلى‏ آجالِنا الّتي كُنّا علَيها ، فسَألَ ربَّهُ عَزَّوجلَّ فَرَدَّهُم إلى‏ آجالِهِم .۹

۱۹۱۶۰.الإمامُ الرِّضا عليه السلام : إنّ أوحَشَ ما يكونُ هذا الخَلقُ في ثلاثةِ مَواطِنَ : يَومَ يُولَدُ ويَخرُجُ مِن بَطنِ اُمّهِ فيَرَى الدُّنيا ،

1.جعل الموت خالجاً لأشطانها : أي مسرعاً في أخذ حبالها (النهاية : ۲/۵۹) .

2.المرائر : الحبال المفتولة على أكثر من طاق، واحدها: مرير ومريرة، القِران : أي مشدودين أحدهما إلى الآخر بحبل ، والقَرَنُ : الحبل الذي يشّدان به (النهاية : ۴/۳۱۷ و ص ۵۳) .

3.نهج البلاغة : الخطبة ۹۱ .

4.نهج البلاغة : الخطبة ۱۰۶ .

5.نهج البلاغة : الخطبة ۲۳۰ .

6.نهج البلاغة : الحكمة ۱۳۲ .

7.الخصال : ۱۱۹/۱۰۸ .

8.في نسخة «ويربّيهم» وفي نسخ اُخرى «ويوضّيهم» . (كما في هامش المصدر).

9.التوحيد : ۴۰۱/۴ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 149554
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي