379
ميزان الحکمه المجلد السابع

التوحيد الذي أسّس أساسه إبراهيم عليه السلام وأتمّه اللَّه سبحانه وأكمله لنبيّه محمّد صلى اللَّه عليه وآله ، قال تعالى‏ : (مِلّةَ أبيكُم إبراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ المُسلِمينَ مِن قَبلُ)۱ ، وبنو إسرائيل أكثر الاُمم لجاجاً وخصاماً ، وأبعدهم من الانقياد للحقِّ ، كما أنّه كان كفّار العرب الذين ابتُليَ بهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله على‏ هذه الصفة ، فقد آل الأمر إلى‏ أن نزل فيهم : (إنّ الّذينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيهِمْ ءَأنْذَرتَهُمْ أمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤمِنُونَ)۲.
ولا ترى‏ رذيلةً من رذائل بني إسرائيل في قسوتهم وجفوتهم ممّا ذكره القرآن إلّا وهو موجود فيهم . وكيف كان ، فأنت إذا تأمّلت قصص بني إسرائيل المذكورة في القرآن وأمعنت فيها وما فيها من أسرار أخلاقهم وجدت أنّهم كانوا قوماً غائرين في المادّة مكبّين على‏ ما يعطيه الحسُّ من لذائذ الحياة الصُّوَريّة ، فقد كانت هذه الاُمّة لا تؤمن بما وراء الحسّ ، ولا تنقاد إلّا إلَى اللّذّة والكمال المادّيّ ، وهم اليوم كذلك . وهذا الشأن هو الذي صيّر عقلهم وإرادتهم تحت انقياد الحسّ والمادّة ، لا يعقلون إلّا ما يجوّزانه ، ولا يريدون إلّا ما يرخّصان لهم ذلك ، فانقياد الحسّ يوجب لهم أن لا يقبلوا قولاً إلّا إذا دلّ عليه الحسّ وإن كان حقّاً ، وانقياد المادّة اقتضى‏ فيهم أن يقبلوا كلّ ما يريده أو يستحسنه لهم كبراؤهم ممّن اُوتي جمال المادّة وزُخرُف الحياة وإن لم يكن حقّاً ، فأنتج ذلك فيهم التناقضَ قولاً وفعلاً ، فهم يذمّون كلّ اتّباع باسم أنّه تقليد وإن كان ممّا ينبغي ، إذا كان بعيداً من حسّهم ، ويمدحون كلّ اتّباع باسم أنّه حظّ الحياة ، وإن كان ممّا لا ينبغي إذا كان ملائماً لهوساتهم المادّيّة ، وقد ساعدهم على‏ ذلك وأعانهم عليه مكثهم الممتدّ وقطونهم الطويل بمصر تحت استذلال المصريّين واسترقاقهم وتعذيبهم ، يسومونهم سوء العذاب ،

1.الحجّ : ۷۸ .

2.البقرة : ۶ .


ميزان الحکمه المجلد السابع
378

أمّا مِن حَيثُ (أنّهُم) استَوَوا فإنَّ اللَّهَ قد ذَمَّ عَوامَّنا بتَقليدِهِم عُلَماءَهُم كما ذَمَّ عَوامَّهُم ، وأمّا مِن حَيثُ (أ نّهُمُ) افتَرَقُوا فلا .
قالَ : بَيِّنْ لي يابنَ رسولِ اللَّهِ . قالَ عليه السلام : إنَّ عَوامَّ اليَهودِ كانوا قد عَرَفُوا عُلَماءَهُم بالكَذِبِ الصُّراحِ ، وبأكلِ الحَرامِ والرّشاءِ ، وبتَغييرِ الأحكامِ عن واجِبِها بالشَّفاعاتِ والعِناياتِ والمُصانَعاتِ ، وعَرَفُوهُم بالتَّعَصُّبِ الشَّديدِ الذي يُفارِقُونَ بهِ أديانَهُم ، وأنّهُم إذا تَعَصَّبوا أزالُوا حُقوقَ مَن تَعَصَّبوا علَيهِ وأعطَوا ما لا يَستَحِقُّهُ مَن تَعَصَّبوا له مِن أموالِ غيرِهِم ، وظَلَمُوهُم مِن أجلِهِم، وعَرَفُوهُم يُقارِفُونَ المُحَرّماتِ ، واضطُرُّوا بمَعارِفِ قُلوبِهِم إلى‏ أنَّ مَن فَعَلَ ما يَفعَلُونَهُ فهُو فاسِقٌ لا يَجوزُ أن يَصدُقَ علَى اللَّهِ ولا علَى الوَسائطِ بينَ الخَلقِ وبينَ اللَّهِ، فلذلكَ ذَمَّهُم لَمّا قَلَّدُوا مَن قد عَرَفوهُ ، ومَن قد عَلِموا أنّهُ لا يَجوزُ قَبولُ خَبَرِهِ ولا تَصديقُهُ في حِكايَتِهِ ...
وكذلكَ عَوامُّ اُمَّتِنا إذا عَرَفُوا مِن فُقَهائهِمُ الفِسقَ الظاهِرَ والعَصَبيَّةَ الشَّديدَةَ والتَّكالُبَ على‏ حُطامِ الدنيا وحَرامِها... فَمَن قَلَّدَ مِن عَوامِّنا مِثلَ هؤلاءِ الفُقَهاءِ فَهُم مِثلُ اليَهودِ الذينَ ذَمَّهُمُ اللَّهُ بالتَّقليدِ لِفَسَقَةِ فُقَهائهِم .
فَأمّا مَن كانَ مِن الفُقَهاءِ صائناً لنفسِهِ حافِظاً لِدينِهِ مُخالِفاً على‏ هَواهُ مُطِيعاً لأمرِ مَولاهُ فلِلعَوامِّ أن يُقَلِّدُوهُ ، وذلكَ لا يكونُ إلّا بَعضَ فُقَهاءِ الشِّيعَةِ لا جَميعَهُم .۱

بحث عِلميّ وأخلاقيّ :

أكثر الاُمم الماضية قصّةً في القرآن اُمّة بني إسرائيل ، وأكثر الأنبياء ذِكراً فيه موسَى بن عمران عليه السلام ، فقد ذُكر اسمه في القرآن في مائةٍ وستّة وثلاثين موضعاً ضِعفَ ما ذُكر إبراهيم عليه السلام الذي هو أكثر الأنبياء ذِكراً بعد موسى‏ ، فقد ذُكر في تسعة وستين موضعاً على‏ ما قيل فيهما . والوجه الظاهر فيه أنّ الإسلام هو الدين الحنيف المَبنيُّ علَى

1.الاحتجاج : ۲/۵۱۰/۳۳۷ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد السابع
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 196490
الصفحه من 640
طباعه  ارسل الي