473
ميزان الحکمه المجلد الخامس

النبات الذي فيه ، وكتدبير العالم السماويّ وتدبير كوكب من الكواكب التي في السماء ، وكتدبير العالم المادّيّ برمّته وتدبير نوع من الأنواع المادّيّة .
فبعض التدبير وهو التدبير العامّ الكلّيّ يعلو بعضاً ؛ بمعنى‏ أ نّه بحيث لو انقطع عنه ما دونه بطل ما دونه لِتقوّمه بما فوقه ، كما أ نّه لو لم يكن هناك عالم أرضيّ أو التدبير الذي يجري فيه بالعموم لم يكن عالم إنسانيّ ولا التدبير الذي يجري فيه بالخصوص .
ولازم ذلك أن يكون الإله - الذي يرجع إليه نوع عالٍ من التدبير - عالياً بالنسبة إلى‏ الإله الذي فوّض إليه من التدبير ماهو دونه وأخصّ منه وأخسّ، واستعلاء الإله علَى الإله محال.
لا لأنّ الاستعلاء المذكور يستلزم كونَ الإله مغلوباً لغيره ، أو ناقصاً في قدرته محتاجاً في تمامه إلى‏ غيره ، أو محدوداً والمحدوديّة تفضي إلى التركيب ، وكلّ ذلك من لوازم الإمكان المنافي لوجوب وجود الإله ، فيلزم الخُلف - كما قرّره المفسّرون - فإنّ الوثنيّينَ لا يَرَون لآلهتهم من دون اللَّه وجوبَ الوجود ، بل هي عندهم موجودات ممكنة عالية فُوِّض إليهم تدبير أمر ما دونها ، وهي مربوبة للَّه سبحانه وأرباب لما دونها ، واللَّه سبحانه ربّ الأرباب وإله الآلهة وهوالواجب الوجود بالذات وحده .
بل استحالة الاستعلاء إنّما هو لاستلزامه بطلانَ استقلال المستعلى‏ عليه في‏تدبيره وتأثيره ؛ إذ لا يجامع توقّف التدبير على الغير والحاجة إليه الاستقلالَ ، فيكون السافلُ منها مستمدّاً في تأثيره محتاجاً فيه إلى العالي ، فيكون سبباً من الأسباب التي يَتوسّل بها إلى تدبير ما دونه ، لا إلهاً مستقلّاً بالتأثير دونه فيكون ما فرض إلهاً غير إله ، بل سبباً يدبّر به الأمر ، هذا خُلفٌ .۱

۱۲۴۸۱.تفسير القمّي- في قولِهِ تَعالى‏ :(لَو كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقولونَ ...)-: لَو كانَتِ

1.الميزان في تفسير القرآن : ۱۵/۶۲ ، ۶۳ .


ميزان الحکمه المجلد الخامس
472

التَّدبيرُ وثباتُهُ وقِوامُ بَعضِهِ بِبَعضٍ على‏ أنَّ الصّانِعَ واحدٌ وذلكَ قَولُهُ : (ما اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ) إلى‏ قَولِهِ : (لَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ) .۱

بيان :

قال العلّامة الطباطبائي قدّس سرّه في قوله تعالى‏ : (إذاً لَذَهَبَ كُلُّ إلهٍ بِما خَلَقَ) حجّة على‏ نفي التعدّد ببيانِ محذوره ؛ إذ لا يُتصوّر تعدّد الآلهة إلّا بِبَينونتها بوجه من الوجوه ؛ بحيث لا تتّحد في معنَى اُلوهيّتها ورُبوبيّتها ، ومعنى‏ ربوبيّة الإله في شطرٍ من الكون ونوع من أنواعه تفويضُ التدبير فيه إليه بحيث يستقلّ في أمره من غير أن يحتاج فيه إلى‏ شي‏ء غير نفسه حتّى‏ إلى‏ مَن فَوّض إليه الأمر ، ومن البيّن أيضاً أنّ المُتباينَينِ لا يترشّح منهما إلّا أمران مُتباينان .
ولازم ذلك أن يستقلّ كلٌّ من الآلهة بما يرجع إليه من نوع التدبير ، وتنقطع رابطة الاتّحاد والاتّصال بين أنواع التدابير الجارية في العالم ، كالنظام الجاري في العالم الإنسانيّ عن الأنظمة الجارية في أنواع الحيوان والنبات والبرّ والبحر والسهل والجبل والأرض والسماء وغيرها ، وكلٌّ منها عن كلٍّ منها ، وفيه فساد السماوات والأرض وما فيهنّ ، ووحدة النظام الكونيّ والتئام أجزائه واتّصال التدبير الجاري فيه يكذّبه .
وهذا هو المراد بقوله : (إذاً لَذَهَبَ كُلُّ إلهٍ بِما خَلَقَ) أي انفصل بعض الآلهة عن بعض بما يترشّح منه من التدبير .
وقوله : (ولَعَلا بَعضُهُم عَلى‏ بَعضٍ) محذور آخرُ لازمٌ لتعدّد الآلهة تتألّف منه حجّة اُخرى‏ على النفي ، بيانه : أنّ التدابير الجارية في الكون مختلفة ، منها : التدابير العَرْضيّة كالتدبيرَينِ الجاريَينِ في البرّ والبحر والتدبيرَينِ الجاريَينِ في الماء والنار ، ومنها : التدابير الطُّوليّة التي تنقسم إلى‏ تدبير عامّ كلّيّ حاكم ، وتدبير خاصّ جزئيّ محكوم ، كتدبير العالم الأرضيّ وتدبير

1.تفسير القمّي : ۲/۹۳ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الخامس
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 182001
الصفحه من 562
طباعه  ارسل الي