307
ميزان الحکمه المجلد السادس

فيما بيننا فِي الدنيا ، فهو نفس الأعمال يُطلع اللَّه الإنسان عليها عياناً ، ولا حجّة كالعيان .
وبذلك يظهر أنّ المراد بالطائر والكتاب في الآية أمر واحد وهو العمل الذي يعمله الإنسان ، غير أ نّه سبحانه قال : (وَنُخْرِجُ لَهُ يَومَ القِيامَةِ كِتاباً) ففرّق الكتاب عن الطائر ولم يقل : (وَنُخْرِجُهُ) لئلّا يوهم أنّ العمل إنّما يصير كتاباً يوم القيامة وهو قبل ذلك طائر وليس بكتاب ، أو يوهم أنّ الطائر خفيّ مستور غير خارج قبل يوم القيامة فلا يلائم كونه ملزماً له في عنقه .
وبالجملة : في قوله : (وَنُخْرِجُ لَهُ) إشارة إلى‏ أنّ كتاب الأعمال بحقائقها مستور عن إدراك الإنسان ، محجوب وراء حجاب الغفلة ، وإنّما يخرجه اللَّه سبحانه للإنسان يوم القيامة فيطلعه على‏ تفاصيله ، وهو المعنيّ بقوله : (يَلقاهُ مَنشُوراً) .
وفي ذلك دلالة على‏ أنّ ذلك أمر مهيّأ له غير مغفول عنه ، فيكون تأكيداً لقوله : (وَكُلَّ إنْسانٍ ألْزَمْناهُ طائرَهُ في عُنُقِهِ) ؛ لأنّ المحصّل أنّ الإنسان ستناله تبعة عمله لا محالة : أمّا أوّلاً فلأنّه لازم له لا يفارقه ، وأمّا ثانياً فلأنّه مكتوب كتاباً سيظهر له فيلقاه منشوراً.
قوله تعالى‏ : (اِقْرَأْ كِتابَكَ كَفى‏ بِنَفْسِكَ اليَوْمَ عَلَيْكَ حَسيباً) أي يقال له: اقرأ كتابك ... إلخ . وقوله : (كَفى‏ بِنَفْسِكَ) الباء فيه زائدة للتأكيد ، وأصله كَفَت نفسُك ، وإنّما لم يؤنّث الفعل لأنّ الفاعل مؤنّث مجازيّ يجوز معه التذكير والتأنيث ، وربّما قيل : إنّه اسم فعل بمعنى اكتفِ والباء غير زائدة ، وربّما وُجِّه بغير ذلك .
وفي الآية دلالة على‏ أن حجّة للكتاب قاطعة بحيث لا يرتاب فيهاقارئه ولو كان هو المجرم نفسه ، وكيف لا ؟! وفيه معاينة نفس العمل وبه الجزاء ، قال تعالى‏ : (لا تَعْتَذِروا اليَوْمَ إنَّما تُجْزَونَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلونَ) .۱

1.التحريم : ۷ .


ميزان الحکمه المجلد السادس
306

أحْصاها) ».1

۱۴۶۴۷.الإمامُ الصّادقُ عليه السلام- في قَولِهِ تَعالى‏(وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرونَ أنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أبْصارُكُمْ وَلا جُلودُكُمْ)-: يَعني بِالجُلودِ الفُروجَ والأفخاذَ .۲

۱۴۶۴۸.عنه عليه السلام- وقَد سُئلَ عَنِ الرَّجُلِ يُصَلّي نَوافِلَهُ في مَوضِعٍ أو يُفَرِّقُها -: لا ، بَل هاهُنا وهاهُنا ؛ فإنَّها تَشهَدُ لَهُ يَومَ القِيامَةِ .۳

۱۴۶۴۹.عنه عليه السلام : ما مِن يَومٍ يَأتي عَلى ابنِ آدَمَ إلّا قالَ ذلكَ اليَومُ : يَابنَ آدَمَ أنا يَومٌ جَديدٌ ، وأنا عَلَيكَ شَهيدٌ ، فَافعَلْ بي خَيراً وَاعمَلْ فِيَّ خَيراً أشهَدْ لَكَ يَومَ القِيامَةِ ؛ فإنَّكَ لَن تَراني بَعدَها أبَداً .۴

(انظر) كتاب الأعمال : باب 2915 .
المراقبة : باب 1538 ، 1539 .
بحار الأنوار : 7 / 306 باب 16 .

التّفسير :

في الميزان في تفسير القرآن : «قوله تعالى‏ : (وَنُخْرِجُ لَهُ يَومَ القِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشوراً) يوضّح حالَ هذا الكتاب قولُه بعده : (اِقْرَأْ كِتابَكَ كَفى‏ بِنَفْسِكَ اليَوْمَ عَلَيْكَ حَسيباً) حيث يدلّ أوّلاً : على‏ أنّ الكتاب الذي يخرج له هو كتابه نفسه لا يتعلّق بغيره ، وثانياً : أنّ الكتاب متضمّن لحقائق أعماله التي عملها فِي الدنيا من غير أن يفقد منها شيئاً ، كما في قوله : (يَقولونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذا الكِتابِ لا يُغادِرُ صَغيرَةً وَلا كَبيرَةً إلّا أحصاها)۵ ، وثالثاً : أنّ الأعمال التي أحصاها بادية فيها بحقائقها من سعادة أو شقاء ، ظاهرة بنتائجها من خير أو شرّ ظهوراً لا يستتر بستر ولا يقطع بعذر ، قال تعالى‏ : (لَقَدْ كُنْتَ في غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَومَ حَديدٌ) .۶
ويظهر من قوله تعالى‏ : (يَومَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ماعَمِلَتْ مِنْ خَيرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سوءٍ)۷، أنّ الكتاب يتضمّن نفس الأعمال بحقائقها دون الرسوم المخطوطة على‏ حدّ الكتب المعمولة

1.تفسير العيّاشي : ۲/۳۲۸/۳۴ .

2.الميزان في تفسير القرآن : ۱۷/۳۸۶ .

3.علل الشرائع : ۳۴۳/۱.

4.بحار الأنوار : ۷/۳۲۵/۲۰ .

5.الكهف : ۴۹ .

6.ق : ۲۲ .

7.آل عمران : ۳۰ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد السادس
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1391
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 190239
الصفحه من 537
طباعه  ارسل الي