وَأضَرُّهُم بِكَ ، وَأعظَمُهُم لَكَ عَداوَةً ، وَأخفاهُم لَكَ شَخصاً ، مَعَ دُنُوِّهِ مِنكَ ، وَمَن يُحَرِّضُ أعداءَكَ عَلَيكَ وَهُوَ إبليسُ المُوَكَّلُ بِوَسواسٍ مِنَ القُلوبِ ، فَلَهُ فَلتَشتَدَّ عَداوَتُكَ ، وَلا يَكونَنَّ أصبَرَ على مُجاهَدَتِهِ لِهَلَكَتِكَ مِنكَ على صَبرِكَ ، لِمُجاهَدَتِهِ ، فَإِنَّهُ أضعَفُ مِنكَ رُكناً ۱ في قُوَّتِهِ ، وَأقَلُّ مِنكَ ضَرراً في كَثرَةِ شَرِّهِ ، إذا أنتَ اعتَصَمتَ بِاللّهِ فَقَد هُديتَ إلى صِراطٍ مُستَقيمٍ .
يا هِشامُ ؛ مَن أكرَمَهُ اللّهُ بِثَلاثٍ فَقَد لَطُفَ لَهُ : عَقلٌ يَكفيهِ مَؤونَةَ هَواهُ ، وَعِلمٌ يَكفيهِ مَؤونَةَ جَهلِهِ ، وَغِنىً يَكفيهِ مَخافَةَ الفَقرِ .
يا هِشامُ ؛ احذَر هذهِ الدُّنيا ، وَاحذَر أهلَها ، فَإِنَّ النّاسَ فيها على أرَبَعةِ أصنافٍ : رَجُلٍ مُتَرَدٍّ مُعانِقٍ لِهواهُ ، وَمُتعَلِّمٍ مُقرِئٍ كُلَّما ازدادَ عِلماً ازدادَ كِبراً يَستَعلي بِقِراءَتِهِ وَعلِمِهِ على مَن هُوَ دونَهُ ، وَعابِدٍ جاهِلٍ يَستَصغِرُ مَن هُوَ دونَهُ في عِبادَتِهِ يُحِبُّ أن يُعَظَّمَ وَيُوَقَّرَ وَذي بَصيرَةٍ عالِمٍ عارِفٍ بِطَريقِ الحَقِّ ، يُحِبُّ القِيامَ بِهِ ، فَهُوَ عاجِزٌ أو مَغلوبٌ ، ولا يَقدِرُ عَلَى القِيامِ بِما يَعرِفُهُ فَهُوَ مَحزونٌ مَغمومٌ بِذلِكَ فَهُوَ أمثَلُ ۲ أهلِ زَمانِهِ وَأوجَهُهُم عَقلاً .
يا هِشامُ ؛ اعرِفِ العَقلَ وَجُندَهُ ، وَالجَهلَ وَجُندَهُ ، تَكُن مِن المُهتَدينَ .
قالَ هِشامُ : فَقُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ لا نَعرِفُ إلاّ ما عَرَّفتَنا .
فَقالَ عليه السلام : يا هِشامُ ؛ إنَّ اللّهَ خَلَقَ العَقلَ وَهُوَ أوَّلُ خَلقٍ خَلَقَهُ اللّهُ مِنَ الرَّوحانِيينَ عَن يَمينِ العَرشِ من نورِهِ فقال له : أدبِر فَأَدبَرَ ثُمَّ قالَ لَهُ : أقبِل فَأَقبَلَ ، فَقالَ اللّهُ جَلَّ وَعَزَّ : خَلَقتُكَ خَلقاً عَظيماً وَكَرَّمتُكَ على جَميعِ خَلقي . ثُمَّ خَلَقَ الجَهلَ مِنَ البَحرِ الاُجاجِ الظَّلمانِي فَقالَ لَهُ : أدبِر فَأَدبَرَ ، ثُمَّ قالَ لَهُ : أقبِل فَلَم يُقبِل فَقالَ لَهُ : استَكبَرتَ فَلَعَنَهُ ، ثُمَّ جَعَلَ لِلعَقلِ خَمَسةً وسَبعينَ جُنداً ، فَلَمّا رَأَى الجَهلُ ما كَرَّمَ اللّهُ بِهِ العَقلَ وَما أعطاهُ أضمَرَ لَهُ العَداوَةَ فَقالَ الجَهلُ : يا رَبِّ ، هذا خَلقٌ مِثلي خَلَقتَهُ وَكَرَّمتَهُ وَقَوَّيتَهُ ، وَأنا ضِدُّهُ وَلا قُوَّةَ لي بِهِ ، أعطِني مِنَ الجُندِ مِثلَ ما أعطَيتَهُ ؟ فَقالَ تَبارَكَ وَتَعالى : نَعَم ، فَإِن عَصَيتَني بَعدَ