499
مكاتيب الأئمّة ج4

وَأضَرُّهُم بِكَ ، وَأعظَمُهُم لَكَ عَداوَةً ، وَأخفاهُم لَكَ شَخصاً ، مَعَ دُنُوِّهِ مِنكَ ، وَمَن يُحَرِّضُ أعداءَكَ عَلَيكَ وَهُوَ إبليسُ المُوَكَّلُ بِوَسواسٍ مِنَ القُلوبِ ، فَلَهُ فَلتَشتَدَّ عَداوَتُكَ ، وَلا يَكونَنَّ أصبَرَ على مُجاهَدَتِهِ لِهَلَكَتِكَ مِنكَ على صَبرِكَ ، لِمُجاهَدَتِهِ ، فَإِنَّهُ أضعَفُ مِنكَ رُكناً ۱ في قُوَّتِهِ ، وَأقَلُّ مِنكَ ضَرراً في كَثرَةِ شَرِّهِ ، إذا أنتَ اعتَصَمتَ بِاللّهِ فَقَد هُديتَ إلى صِراطٍ مُستَقيمٍ .
يا هِشامُ ؛ مَن أكرَمَهُ اللّهُ بِثَلاثٍ فَقَد لَطُفَ لَهُ : عَقلٌ يَكفيهِ مَؤونَةَ هَواهُ ، وَعِلمٌ يَكفيهِ مَؤونَةَ جَهلِهِ ، وَغِنىً يَكفيهِ مَخافَةَ الفَقرِ .
يا هِشامُ ؛ احذَر هذهِ الدُّنيا ، وَاحذَر أهلَها ، فَإِنَّ النّاسَ فيها على أرَبَعةِ أصنافٍ : رَجُلٍ مُتَرَدٍّ مُعانِقٍ لِهواهُ ، وَمُتعَلِّمٍ مُقرِئٍ كُلَّما ازدادَ عِلماً ازدادَ كِبراً يَستَعلي بِقِراءَتِهِ وَعلِمِهِ على مَن هُوَ دونَهُ ، وَعابِدٍ جاهِلٍ يَستَصغِرُ مَن هُوَ دونَهُ في عِبادَتِهِ يُحِبُّ أن يُعَظَّمَ وَيُوَقَّرَ وَذي بَصيرَةٍ عالِمٍ عارِفٍ بِطَريقِ الحَقِّ ، يُحِبُّ القِيامَ بِهِ ، فَهُوَ عاجِزٌ أو مَغلوبٌ ، ولا يَقدِرُ عَلَى القِيامِ بِما يَعرِفُهُ فَهُوَ مَحزونٌ مَغمومٌ بِذلِكَ فَهُوَ أمثَلُ ۲ أهلِ زَمانِهِ وَأوجَهُهُم عَقلاً .
يا هِشامُ ؛ اعرِفِ العَقلَ وَجُندَهُ ، وَالجَهلَ وَجُندَهُ ، تَكُن مِن المُهتَدينَ .
قالَ هِشامُ : فَقُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ لا نَعرِفُ إلاّ ما عَرَّفتَنا .
فَقالَ عليه السلام : يا هِشامُ ؛ إنَّ اللّهَ خَلَقَ العَقلَ وَهُوَ أوَّلُ خَلقٍ خَلَقَهُ اللّهُ مِنَ الرَّوحانِيينَ عَن يَمينِ العَرشِ من نورِهِ فقال له : أدبِر فَأَدبَرَ ثُمَّ قالَ لَهُ : أقبِل فَأَقبَلَ ، فَقالَ اللّهُ جَلَّ وَعَزَّ : خَلَقتُكَ خَلقاً عَظيماً وَكَرَّمتُكَ على جَميعِ خَلقي . ثُمَّ خَلَقَ الجَهلَ مِنَ البَحرِ الاُجاجِ الظَّلمانِي فَقالَ لَهُ : أدبِر فَأَدبَرَ ، ثُمَّ قالَ لَهُ : أقبِل فَلَم يُقبِل فَقالَ لَهُ : استَكبَرتَ فَلَعَنَهُ ، ثُمَّ جَعَلَ لِلعَقلِ خَمَسةً وسَبعينَ جُنداً ، فَلَمّا رَأَى الجَهلُ ما كَرَّمَ اللّهُ بِهِ العَقلَ وَما أعطاهُ أضمَرَ لَهُ العَداوَةَ فَقالَ الجَهلُ : يا رَبِّ ، هذا خَلقٌ مِثلي خَلَقتَهُ وَكَرَّمتَهُ وَقَوَّيتَهُ ، وَأنا ضِدُّهُ وَلا قُوَّةَ لي بِهِ ، أعطِني مِنَ الجُندِ مِثلَ ما أعطَيتَهُ ؟ فَقالَ تَبارَكَ وَتَعالى : نَعَم ، فَإِن عَصَيتَني بَعدَ

1.الرّكن : العزّ والمنعة . وأيضاً : ما يقوى به . والأمر العظيم .

2.الأمثل : الأفضل .


مكاتيب الأئمّة ج4
498

فَإِنَّ العِلمَ يَدُلُّ على أن يُملى على مَن لا يُفيقُ ۱ . قُلتُ : فَإِن لَم أجِدَ مَن يَعقِلُ السُّؤالَ عَنها؟ قالَ عليه السلام : فَاغتَنِم جَهلَهُ عَنِ السُّؤالِ حَتّى تَسلَمَ مِن فِتنَةِ القَولِ وَعَظيمِ فِتنَةِ الرَّدِّ ، وَاعلَم أنَّ اللّهَ لَم يَرفَعِ المُتَواضِعينَ بِقَدرِ تَواضُعِهِم ، وَلكِن رَفَعَهُم بِقَدرِ عَظَمَتِهِ وَمَجدِهِ ، وَلَم يُؤمِنِ الخائِفينَ بِقَدرِ خَوفِهِم ، وَلكِن آمَنَهُم بِقَدرِ كَرَمِهِ وَجودِهِ ، وَلَم يُفّرِجِ ۲ المَحزونينَ بِقَدرِ حُزنِهِم ، وَلكِن بِقَدرِ رَأَفتِهِ وَرَحمَتِهِ ، فَما ظَنُّكَ بِالرّؤوفِ الرَّحيمِ الَّذي يَتَوَدَّدُ إلى مَن يُؤذيهِ بِأَوليائِهِ ، فَكَيفَ بِمَن يُؤذى فيهِ ؟ وَما ظَنُّكَ بِالتَّوابِ الرَّحيمِ الَّذي يَتوبُ على مَن يُعاديهِ فَكَيفَ بِمَن يَتَرَضّاهُ ۳ ، وَيَختارُ عَدَاوَةَ الخَلقِ فيه ؟ .
يا هِشامُ ؛ مَن أحَبَّ الدُّنيا ذَهَبَ خَوفُ الآخِرَةِ مِن قَلبِهِ ، وَما اُوتِيَ عَبدٌ عِلماً فَازدادَ لِلدُّنيا حُبّاً ، إلاّ ازدادَ مِنَ اللّهِ بُعداً وَازدادَ اللّهُ عَلَيهِ غَضَباً .
يا هِشامُ ؛ إنَّ العاقِلَ اللَّبيبَ مَن تَرَكَ ما لا طاقَةَ لَهُ بِهِ ، وَأكثَرَ الصَّوابَ في خِلافِ الهَوى وَمَن طالَ أملُهُ ساءَ عَمَلُهُ .
يا هِشامُ ؛ لَو رَأَيتَ مَسيرَ الأَجَلِ لَأَلهاكَ عَنِ الأَملِ .
يا هِشامُ ؛ إيّاكَ وَالطَّمَعَ وَعَلَيكَ بِاليَأسِ مِمّا في أيدي النّاسِ ، وَأمِتِ الطَّمَعَ مِنَ المَخلوقينَ ، فَإِنَّ الطَّمَعَ مِفتاحٌ لِلذُّلِّ ، وَاختِلاسَ العَقلِ وَاختِلاقَ ۴ المُرُوّاتِ وَتَدنيسَ العِرضِ ۵ ، والذَّهابَ بِالعِلمِ ، وَعَلَيكَ بِالاِعتِصامِ بِرَبِّكَ وَالتَّوَكُّلَ عَلَيهِ ، وَجاهِد نَفسَكَ لِتَرُدَّها عَن هَواها ، فَإِنَّهُ واجِبٌ عَلَيكَ كَجِهادِ عَدُوِّكَ .
قالَ هِشامُ : فَقُلتُ لَهُ : فَأَيُّ الأَعداءِ أوجَبُهُم مُجاهَدَةً ؟ قالَ عليه السلام : أقرَبُهُم إلَيكَ ، وَأَعداهُم لَكَ

1.الإفاقة : الرّجوع عن الكسر والاغماء والغفلة إلى حال الاستقامة . وفي بعض النّسخ : « فإنّ العلم يذلّ على أن يحمل على من لا يفيق» وفي بعضها : «يجلى » .

2.في بعض النّسخ : «يفرح » .

3.يترضّاه : أي يطلب رضاه .

4.الاختلاق : الافتراء . وفي بعض النّسخ : « واخلاق » . والظّاهر أنّه جمع خلق ـ بالتحريك ـ أي البالي .

5.العرض : النّفس والخليقة المحمودة ـ وأيضاً ـ : ما يفتخر الإنسان من حسب وشرف .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 89749
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي