607
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

مَا فَاتَهُ ، وَمَنْ سَلَّ سَيْفَ الْبَغْيِ قُتِلَ بِهِ ، وَمَنْ كَابَدَ الأمُورَ عَطِبَ ، وَمَنِ اقْتَحَمَ اللُّجَجَ غَرِقَ ، وَمَنْ دَخَلَ مَدَاخِلَ السُّوءِ اتُّهِمَ . وَمَنْ كَثُرَ كَلاَمُهُ كَثُرَ خَطَؤُهُ ، وَمَنْ كَثُرَ خَطَؤُهُ قَلَّ حَيَاؤُهُ ، وَمَنْ قَلَّ حَيَاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ ، وَمَنْ قَلَّ وَرَعُهُ مَاتَ قَلْبُهُ ، وَمَنْ مَاتَ قَلْبُهُ دَخَلَ النَّارَ . وَمَنْ نَظَرَ فِي عُيُوبِ غَيْرِهِ ، فَأَنْكَرَهَا ، ثُمَّ رَضِيَهَا لِنَفْسِهِ ، فَذلِكَ الْأَحْمَقُ بِعَيْنِهِ . وَالْقَنَاعَةُ مَالٌ لاَ يَنْفَدُ . وَمَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ رَضِيَ مِنَ الدُّنْيَا بِالْيَسِيرِ . وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ كَلاَمَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلاَمُهُ إِلاَّ فِيَما يَعْنِيهِ .

الشّرْحُ:

كلُّ هذه الفصول قد تقدّم الكلامُ فيها ، وهي عَشَرة :
أوّلها : من نَظَر في عَيْب نفسِه اشتَغل عن عيبِ غيرِه ؛ كان يقال : أصلِح نفسَك أوّلاً ، ثمّ أصلِح غيرَك .
وثانيها : من رضَي برِزق اللّه لم يَحزَن على مافاته ؛ كان يقال : الحُزْن على المَنافع الدنيويّة سُمٌّ تِرْياقُه الرِّضَا بالقَضاء .
وثالثَها : من سَلَّ سيفَ البَغْيِ قُتِل به ؛ كان يقال : الباغي مَصْروع وإن كثُرَ جنودُه .
ورابعُها : مَنْ كابَدَ الأمورَ عَطِب ، ومن اقْتَحَم اللُّجَجَ غَرِق ؛ مِثل هذا قولُ القائل :

مَن حارَبَ الأيّامَ أصبَحَ رُمْحُهقِصَدا وأصبحَ سيفُه مَفْلولاَ
وخامسُها : من دخل مَداخِلَ السّوء اتُّهِم ؛ هذا مِثْل قولِهم : من عَرَّض نفسَه للشُّبُهات فلا يلُومَنّ مَن أساءَ به الظَّنّ .
وسادسُها : مَن كَثُر كلامُه ... إلى قوله : دَخَل النار ؛ قد تقدّم القولُ في المَنطِق الزائد وما فيه من المحذور ؛ وكان يقال : قَلَّما سَلِم مِكْثار ، أو أَمِن مِنْ عِثار .
وسابعُها : مَن نَظَر في عُيوب غيرِه فأنكَرَها ثمّ رضيَها لنفسِه فذاك هو الأحمقُ بعَيْنه ؛ كان يقال : أجهَلُ الناسِ من يَرضَى لنفسِه بما يَسخَطُه مِن غيرِه .
وثامنها : القَناعة مالٌ لا يَنفَد ؛ قد سَبَق القولُ في هذا ، وسيأتي أيضا .
وتاسعُها : من ذَكَر الموتَ رضيَ من الدّنيا باليسير ؛ كان يقال : إذا أحببتَ ألاّ تحسُد أحَداً فأكْثِر ذكرَ الموت ، واعلمْ أنّك ومَن تَحسُده عن قليل مِن عَدِيد الهَلْكَى .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
606

الشّرْحُ:

وينبغي أن يكون قوله عليه السلام محمولاً على الثّناء في وجهِ الإنسان ؛ لأنّه هو الموصوف بالمَلق إذا أفْرطَ ، فأمّا من يُثنِي بظَهْر الغَيْب فلا يُوصَف ثناؤه بالملَق ؛ سواءٌ كان مُقتصِدا أو مسرِفاً . وقوله عليه السلام : «والتقصير عن الاستحقاق عيٌّ أو حَسَد» لا مزيدَ عليه في الحُسنِ ؛ لأنّه إذا قَصّر به عن استِحقاقه كان المانع إمّا من جانب المُثني فقط من غير تعلّق له بالمثنى عليه ، أو مع تعلُّق به ؛ فالأوّل هو العِيّ والحَصر ، والثاني هو الحسد والمنافسة .

354

الأصْلُ:

۰.أَشَدُّ الذُّنُوبِ مَا اسْتَهَانَ بِها صَاحِبُها ۱ .

الشّرْحُ:

قد ذكرْنا هذا فيما تقدّم وذكرنا العِلّة فيه ، وهي أنّ فاعَل ذلك الذَّنْب قد جَمَع بين فعْل الذّنب وفِعْل ذَنْب آخَرَ ، وهو الاستهانة بما لا يُستهان به ، لأنّ المَعاصِي لا هين فيها ، والصغير منها كَبير ، والحقيرُ منها عظيم ، وذلك لجلالةِ شأن المعْصيِّ سبحانَه . فأمّا من يذنِب ويَستعظم ما أتاه ، فحاله أخفّ من حالِ الأوّل ، لأنّه يكاد يكون نادما .

355

الأصْلُ:

۰.مَنْ نَظَرَ فِي عَيْبِ نَفْسِهِ اشْتَغَلَ عَنْ عَيْبِ غَيْرهِ ، وَمَنْ رَضِيَ برِزْقِ اللّهِ لَمْ يَحْزَنْ عَلَى

1.يأتي بنفس المضمون في الحكمة (۴۸۵).

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 113247
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي