555
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

268

الأصْلُ:

۰.وقيل : إن الحارث بن حَوْط أتى عليّا عليه السلام ، فقال لَهُ : أتراني أظنّ أنّ أصحاب الجمل كانوا على ضلالة؟
فقال عليه السلام : يَا حَارِثُ ، إِنَّكَ نَظَرْتَ تَحْتَكَ ، وَلَمْ تَنْظُرْ فَوْقَكَ فَحِرْتَ ! إِنَّكَ لَمْ تَعْرِفِ الْحَقَّ فَتَعْرِفَ أهلَهُ ، وَلَمْ تَعَرِفِ الْبَاطِلَ فَتَعْرِفَ مَنْ أَتَاهُ ۱ .
فقال الحارث : فإني أعتزل مع سعد بن مالك ۲ وعبد اللّه بن عمر .
فقال عليه السلام : إِنَّ سَعداً وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ لَمْ يَنْصُرَا الْحَقَّ ، وَلَمْ يَخْذُلاَ الْبَاطِلَ .

الشّرْحُ:

اللّفظة الّتي وردتْ قبلُ ۳ أحسَنُ من هذه اللفظة ، وهي أولئك قومٌ خَذَلوا الحقَّ ولم ينصرُوا الباطل ، وتلك كانت حالُهم ، فإنّهم خذلوا عليّا ولم يَنصُروا مُعاوِيَة ولا أصحابَ الجَمَل . ولما كان سعدٌ وعبدُ اللّه لم يَقُوما خَطِيبَين في النّاس يُعلِّمانهم باطلَ معاويةَ وأصحاب الجمل، ولم يَكشِفا اللَّبْس والشُّبْهة الداخلَة على الناس في حَرْب هذين الفَرِيقين ، ولم يُوضّحا وجوبَ طاعة عليٍّ عليه السلام فيردَّ الناسَ عن اتّباع صاحبِ الجَمَل وأهل الشام ، صدق عليهما

1.حرت : من ( حار ) أي تحير . «نظرتَ تحتك» ، أي إنّك قاصر لا تنظر إلاّ موطئ قدميك ، وهذه شبهة دخلت على الحارث لبساطته ، فهو قد نظر إلى طلحة والزبير من خلال صحبتهما للنبي صلى الله عليه و آله وسلم ، ونظر الى عائشة من خلال حرمة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، فاعتقد أن الحق معهم . والحال أن الحق لا يعرف بالرجال ولا بالألقاب والأنساب ، وإنما يؤخذ من معدنه ومصدره من كتاب اللّه وسنة رسوله صلى الله عليه و آله وسلم ، ومتى عرفت الحق من مصدره قست به المحقين والمبطلين . في ظلال نهج البلاغة / مغنية ۴:۴۷۶ .

2.عنى به سعد بن أبي وقّاص ، وسعد هذا قد سكن البادية بعد مقتل عثمان ، وأمّا عبد اللّه بن عمر فإنه التجأ إلى أخته حفصة أم المؤمنين . وهما قد بايعا الإمام عليه السلام ولكنهما لم ينصراه ، ولم يخذلا الباطل المتمثل بأصحاب الجمل وصفين ، ولذا استحقا الملامة والذمّ .

3.الحكمة برقم (۱۳) ، وفي ۱۸ : ۱۱۵ من الأصل .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
554

267

الأصْلُ:

۰.وقال عليه السلام : لما بلغه إغارة أصحاب معاوية على الأنبار ، فخرج بنفسه ماشياً حتى أتى النّخَيْلَة ، وأدركهُ الناس ، وقالوا : يا أميرالمؤمنين ، نحن نكفيكهم فقال عليه السلام :
وَاللّهِ مَا تَكْفُونَنِي أَنْفُسَكُمْ ، فَكَيْفَ تَكْفُونَنِي غَيْرَكُمْ ! إِنْ كَانَتِ الرَّعَايَا قَبْلِي لَتَشْكُو حَيْفَ رُعَاتِهَا ، فانَّنِي الْيَوْمَ لَأَشْكُو حَيْفَ رَعِيَّتِي ، كَأَنَّنِيَ الْمَقُودُ وَهُمُ الْقَادَةُ ، أَوِ المَوْزُوعُ وَهُمُ الْوَزَعَةُ .

قال : فلما قال هذا القول في كلام طويل قد ذكرنا مختاره في جملة الخطب ، تقدم إليه رجلان من أصحابه ، فقال أحدهما : إنّي لاَ أملك إلاّ نفسي وأخي ، فمرنا بأمرك يا أمير المؤمنين نُنَفِّذْ ، فقال : وأَيْنَ تَقَعَانِ مِمَّا أُرِيدُ؟!

الشّرْحُ:

النُّخَيْلة : بظاهر الكُوفة ، ورُوِي «ما تَكْفُوني» بحذف النون . والحيْف : الظلم . والوَزَعة : جمع وازِع ، وهو الدافع الكافّ ۱ .
ومعنى قوله : «ما تكفُونني أنفسَكم» ، أي أفعالُكم رديئةٌ قبيحةٌ تحتاجُ إلى جند غيركم أستعين بهمْ على تثقيفِكم وتهذيبكم ، فَمَنْ هذه حاله كيف أُثقِّف به غيرَه ، وأُهذِّب به سواه ؟!
وإن كانت الرعايا : إنْ هاهنا مخفَّفة من الثقيلة ، ولذلك دَخَلت اللام في جوابها .
وقد تقدّم ۲ ذكرُنا هذين الرّجلين ، وإن أحدَهما قال : يا أمير المؤمنين ؛ أقول لكَ ما قاله العبْد الصالح : «ربِّ إنِّي لا أملِك إلاّ نفسي وأخِي»۳ . فشكر لهما وقال : وأين تقعان ممّا أريد ؟!

1.الوازع : الحاكم . الموزوع : المحكوم .

2.تقدّم في شرح الخطبة (۲۷) ، في الأصل ۲:۸۰ .

3.سورة المائدة ۲۵ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 116785
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي