511
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

205

الأصْلُ:

۰.وقال عليه السلام :لَتَعْطِفَنَّ الدُّنْيَا عَلَيْنَا بَعْدَ شِمَاسِهَا عَطْفَ الضَّرُوس عَلَى وَلَدِهَا ، وتلا عقيب ذلك : «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ» .

الشّرْحُ:

الشِّماس : مصدر شَمس الفرسُ إذا منع من ظهره . والضّروس : الناقة السيّئة الخُلق تعضُّ حالبَها ، والإماميّة تزعم أن ذلك وعدٌ منه بالإمام الغائب الذي يملك الأرض في آخر الزمان ۱ . وأصحابنا يقولون : إنه وعْدٌ بإمام يملك الأرض ويستولي على الممالك ، ولا يلزم من ذلك أنه لا بُدّ أن يكون موجودا ، وإن كان غائبا إلى أن يظهر ، بل يكفي في صحّة هذا الكلام أن يُخلق في آخر الوقت . وبعض أصحابنا يقول : إنه إشارة إلى ملك السفّاح والمنصور وابني المنصور بعده .
وتقول الزيديّة : إنه لابدّ من أن يملك الأرض فاطميٌّ يتلوه جماعة من الفاطميِّين على مذهب زيد ، وإن لم يكن أحد منهم الآن موجودا ۲ .

1.استدل الإمامية بأدلة عقلية ونقلية على إثبات وجود الإمام المنتظر عليه السلام . وقد مرّ قوله عليه السلام : «لا تخلو الأرض من قائم للّه بحجة إمّا ظاهرا أو مشهورا خائفا مغمورا» . والمعنى المراد من قوله عليه السلام : إن الدنيا تنكّرت لأهل البيت عليه السلام ، وسيمتحنون بأنواع البلاء ، ثمّ يأتي بعد ذلك الفرج والخلاص ، ورواج الحق .

2.كيف يصح أن تكون هذه الكلمات إخبار وبشارة بحكم بني العباس ! وماكان ظلم بني العباس أقل وطأة على أهل البيت عليهم السلام من ظلم الأُمويين وغيرهم . حتى قال شاعرهم : ياليتَ ظلم بني مروان دام لناوظلم بني العباسِ في النار


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
510

الشّرْحُ:

التحلُّم : تكلّف الحِلْم ، والّذي قاله عليه السلام صحيح في مَناهِج الحكمة ، وذلك لأنّ من تَشبَّه بقومٍ وتكلّف التخلّق بأخلاقِهم ، والتأدّبَ بآدابهم ، واستمرّ على ذلك ومَرَن عليه الزمان الطويل ، اكتَسَب رياضةً قويّة ، ومَلَكة تامّة ، وصار ذلك التكلّف كالطَبْع له ، وانتقل عن الخُلُق الأوّل ، أَلا ترَى أنّ الأعرابيّ الجِلْف الجافي إذا دَخَل المُدُن والقُرَى وخَالطَ أهلَها وطال مُكْثُه فيهم انتقل عن خُلُق الأعراب الّذي نشأ عليه ، وتلطَّف طَبْعُه ، وصار شبيها بساكِنِي المُدُن .

204

الأصْلُ:

۰.مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ رَبِحَ ، وَمَنْ غَفَلَ عَنْهَا خَسِرَ ، وَمَنْ خَافَ أَمِنَ ، وَمَنِ اعْتَبَرَ أَبْصَرَ ، وَمَنْ أَبْصَرَ فَهِمَ ، وَمَنْ فَهِمَ عَلِمَ .

الشّرْحُ:

قد جاء في الحديث المرفوع : «حاسبوا أنفسَكم قبلَ أن تحاسَبوا» .
قولهُ : «ومن خاف أمن» أي مَن اتقى اللّه أمِنَ مِنْ عذابه يوم القيامة .
ثم قال : «ومن اعتبر أبصر» ، أي من قاس الأُمور بعضها ببعض واتّعظ بآيات اللّه وأيامه ، أضاءت بصيرته ، ومن أضاءت بصيرته فهم ، ومن فهم علم .
فإن قلتَ : الفهم هو العلم ، فأيّ حاجةٍ له إلى أن يقول : «ومن فهم علم ؟» .
قلت : الفهم هاهنا هو معرفة المقدّمات ، ولابد أن يستعقب معرفة المقدمات معرفة النتيجة ، فمعرفة النتيجة هو العلم ، فكأنّه قال : من اعتبر تنوّر قلبه بنور اللّه تعالى ، ومَنْ تنوّر قلبه عقل المقدّمات البرهانية ، ومن عقل المقدمات البرهانية علم النتيجة الواجبة عنها ، وتلك هي الثمرة الشريفة التي في مثلها يتنافس المتنافسون .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 113932
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي