509
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

قوّة السمع يُتعبها تكرار الأصْوات عليها ، وكذلك غيرها من القُوَى الجُسْمانيّة ، ولكنّا وجدْنا القوّة العاقلة بالعكس من ذلك ، فإنَّ الإنسان كلّما تكرّرتْ عليه المعقولات ازدادتْ قوّته العقليّة سَعةً وانبساطا واستعدادا لإدراكِ أُمور أُخرى غير ما أدركتْه من قبلُ ، حتّى كانَ تكرارُ المَعْقولات عليها يَشْحذها ويَصْقُلها ، فهي إذَنْ مخالِفة في هذا الحكم للقُوى الجُسْمانية ، فلَيْست منها لأنّها لو كانت منها لكان حُكْمها حكمَ واحدٍ من أخواتها ، وإذا لم تكن جُسْمانيّة فهي مجرَّدة ، وهي التي نسميها بالنفس الناطقة .

202

الأصْلُ:

۰.أَوَّلُ عِوَض الْحَلِيمِ مِنْ حِلْمِهِ أَنَّ النَّاسَ أَنْصَارُهُ عَلَى الْجَاهِلِ .

الشّرْحُ:

قد تقدّم من أقوالنا في الحلْم ما في بعضِه كفاية . وفي الحِكَم القديمة : لا تَشِنْ حُسْنَ الظَّفر بقُبْح الانتقام . وكان يقال : اعفُ عمّن أبطأ عن الذّنب ، وأسرع إلى النّدم . وقالت الأنصارللنّبيّ صلى الله عليه و آله وسلم يومَ فتحِ مكّة : إنّهم فعلوا بك ثمّ فعلوا . يُغْرُونه بقريش ؛ فقال : «إنماسمِّيت محمّداً لأُحْمَد» .

203

الأصْلُ:

۰.إِنْ لَمْ تَكُنْ حَلِيماً فَتَحَلَّمْ ، فَإِنَّهُ قَلَّ مَنْ تَشَبَّهَ بَقَوْمٍ إِلاَّ أَوْشَكَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
508

200

الأصْلُ:

۰.لاَ يُزَهِّدَنَّكَ فِي الْمَعْرُوفِ مَنْ لاَ يَشْكُرُهُ لَكَ ، فَقَدْ يَشْكُرُكَ عَلَيْهِ مَنْ لاَ يَسْتَمْتِعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ ، وَقَدْ تُدْرِكُ مِنْ شُكْرِ الشَّاكِرِ أَكْثَرَ مِمَّا أَضَاعَ الْكَافِرُ ، وَاللّهُ يُحِبُّ المحْسِنِينَ ۱ .

الشّرْحُ:

قد أخذتُ أنا هذا المعنَى فقلتُ من جملةِ قصيدةٍ لي حِكْميّة :

لا تُسدِيَنّ إلى ذي الّلؤم مَكرُمةًفإنّه سَبَخٌ لا يُنبت الشجَرَا
فإنْ زرَعتَ فمحفوظٌ بمَضْيَعةٍوأكْلُ زَرْعِك شكرُ الغَيْر إن كَفَرَا

201

الأصْلُ:

۰.كُلُّ وِعَاءٍ يَضِيقُ بِمَا جُعِلَ فِيهِ إِلاَّ وِعَاءَ الْعِلْمِ ، فَإِنَّهُ يَتَّسِعُ بِهِ .

الشّرْحُ:

هذا الكلام تَحْته سرٌّ عظيم ، ورَمْزٌ إلى معنى شريف غامض ، ومنه أخذ مُثْبِتو النفس الناطِقَةِ الحجّة على قولهم ؛ ومحصولُ ذلك أن القُوَى الجُسمانيّة يُكِلها ويُتعِبُها تَكرارُ أفاعِيلها عليها ، كقوّة البصر يُتعِبها تكرار إدْراك المَرْئِيَّات ، حتّى ربّما أذهَبهَا وأبطَلَها أصلاً ، وكذلك

1.المراد بالكافر هنا ناكر المعروف والجميل الذي أُسدي إليه ، وبالشاكر من يستحسن الحسن لذاته ولو صدر من عدوّه . والمعنى : إنك إن أردت بالمعروف وجهَ اللّه سبحانه ، فاللّه يحبُّ المحسنين ، وحسبُك محبةُ اللّه ، وإن أردتَ ثناء الشاكرين فإن كفر من أنعمتَ عليه ، فقد يشكر نعمتَك غيره ، واللّه ُ لا يضيّعه .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 114979
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي