39
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

شُعْثَ الشُّعُورِ ، غُبْرَ الألْوَانِ ، مِنْ فَقْرِهِمْ ، كَأنـّمَا سُوِّدَتْ وَجُوهُهُمْ بِالْعِظْلِمِ ، وَعَاوَدَنِي مُؤَكِّداً ، وَكَرَّرَ عَلَيَّ الْقَوْلَ مُرَدِّداً ، فَأَصْغَيْتُ إِلَيْهِ سَمْعِي ، فَظَنَّ أنّي أَبِيعُهُ دِينِي ، وَأَتَّبِـعُ قِيَادَهُ مُفَارِقاً طَرِيقَتِي ، فَأَحْمَيْتُ لَهُ حَدِيدَةً ، ثُمَّ أدنَيتُهَا مِنْ جِسْمِهِ لِيَعْتَبِرَ بِهَا ، فَضَجَّ ضَجِيجَ ذِي دَنَفٍ مِنْ أ لَمِهَا ، وَكَادَ أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْ مِيسَمِهَا ، فَقُلْتُ لَهُ : ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ ، يَا عَقِيلُ أَتَئِنُّ مِنْ حَدِيدَةٍ أَحْمَاهَا إِنْسَانُهَا لِلَعِبِهِ ، وَتَجُرُّنِي إِلَى نَارٍ سَجَرَهَا جَبَّارُهَا لِغَضَبِهِ ! أَتَئِنُّ مَِنَ الاْذَى وَلاَ أَئِنُّ مِنْ لَظىً؟!
وَأَعْجَبُ مِنْ ذلِكَ طَارِقٌ طَرَقَنَا بِمَلْفَوفَةٍ فِي وِعَائِهَا ، وَمَعْجُونَةٍ شَنِئْتُهَا ، كَأَنَّمَا عُجِنَتْ بِرِيقِ حَيَّةٍ أَوْ قَيْئِهَا ، فَقُلْتُ : أَصِلَةٌ أَمْ زَكَاةٌ ، أَمْ صَدَقَةٌ؟ فَذلِكَ مُحْرَّمٌ عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ ! فَقَالَ : لاَ ذَا وَلاَ ذَاكَ ، وَلكِنَّهَا هَدِيَّةٌ . فَقُلْتُ : هَبِلَتْكَ الْهَبُولُ ! أَعَنْ دِينِ اللّهِ أَتَيْتَنِي لِتَخْدَعَنِي ؟ أَمُخْتَبِطٌ أَنْتَ أَمْ ذُو جِنَّةٍ ، أَمْ تَهْجُرُ؟ وَاللّهِ لَوْ أُعْطِيتُ الْأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْـلاَكِهَا ، عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللّهَ فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُهُ ، وَإِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لَأَهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ فِي فَمِ جَرَادَةٍ تَقْضَمُهَا .
مَا لِعَلِيٍّ وَلِنَعِيمٍ يَفْنَى ، وَلَذَّةٍ لاَ تَبْقَى ! نَعُوذُ بِاللّهِ مِنْ سُبَاتِ الْعَقْلِ ، وَقُبْحِ الزَّلَلِ . وَبِهِ نَسْتَعِينُ .

الشّرْحُ:

السَّعَدان : نبتٌ ذو شوك ؛ يقال له : حَسَك السّعْدان وحَسَكة السعْدان ؛ وتشبّه به حلَمة الثّدي ، فيقال : سَعْدانة الثّنْدُوَة ، وهذا النّبت من أفضل مراعي الإبل ، وفي المثل : « مَرْعىً ولا كالسَعْدان » ؛ ونونه زائدة ؛ لأنّه ليس في الكلام « فَعْلال» غير مضاعف ، إلاّ « خَزْعالٍ» ، وهو ظلْع يلحق الناقة ، «وقهقَار» ، وهو الحجر الصلب ، و «قَسْطال» وهو الغبار . والمسهّد : الممنوع النوم ، وهو السهاد . والأغلال : القيود . والمصفّد : المقيّد . والحُطَام : عروض الدنيا ومتاعها ، شبّه لزواله وسرعة فنائِه بما يتحطّم من العيدان ويتكسّر . ثم قال : كيف أظلم النّاس لأجل نَفْسٍ تموت سريعا ـ يعني نَفْسه عليه السلام ! وأملق : افتقر ، قال تعالى : «وَلاَ تَقْتُلُوا


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
38

والإنصاف . وهذا مثل قوله تعالى : «لاَ ظُلْمَ الْيَوْمَ إنّ اللّهَ سَرِيعُ الحِسَاب»۱ ، ورواها قوم «فلم يجز» ، مضارع « جازَ يجوز» ، أي لم يسغ ولم يرخص ذلك اليوم لأحد من المكلّفين في حركة من الحركات المحقرات المستصغرات ؛ إلاّ إذا كانت قد فعلها بحق ، وعلى هذا يجوز فعلها مثلها . ورواها قوم : «فلم يَجُرْ» من «جار» ، أي عدل عن الطريق ، أي لم يذهب عنه سبحانه ، ولم يضلّ ولم يشذّ عن حسابه شيء من أمر محقّرات الأُمور إلاّ بحقه ، أي إلاّ ما لا فائدة في إثباته والمحاسبة عليه ، نحو الحركات المباحة والعبثيّة التي لا تدخل تحت التكليف . والهمس : الصوت الخفيّ .
قوله : «فتحرّ من أمرك» ، تحرّيت كذا ، أي توخّيته وقصدته واعتمدته . «وتيسّر لسفرك» ، أي هيئ أسباب السّفر ، ولا تترك لذاك عائقا . والشّيْم : النظر إلى البرق . ورحلت مطيتي ، إذا شددت على ظهرها الرّحل . والتّشْمير : الجدّ والانكماش في الأمر .
ومعاني الفصل ظاهرة ، وألفاظه الفصيحة تعطيها وتدلّ عليها بما لو أراد المفسّر أن يعبّر عنه بعبارة غير عبارته عليه السلام لكان لفظه عليه السلام أوْلَى أن يكون تفسيرا لكلام ذلك المفسّر .

219

الأصْلُ:

۰.ومن كلام له عليه السلاموَاللّهِ لَأَنْ أَبِيتَ عَلَى حَسَكِ السَّعْدَانِ مُسَهَّداً ، أَوْ أُجَرَّ فِي الْأَغْـلاَلِ مُصَفَّداً ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اللّهَ وَرَسُولَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ظَالِماً لِبَعْض الْعِبَادِ ، وَغَاصِباً لِشَيْءٍ مِنَ الْحُطَامِ ، وَكَيْفَ أَظْلِمُ أَحَداً لِنَفْس يُسْرِعُ إِلَى الْبِلَى قُفُولُهَا ، وَيَطُولُ فِي الثَّرَى حُلُولُهَا؟!
وَاللّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ عَقِيلاً وَقَدْ أَمْلَقَ حَتَّى اسْتَماحَنِي مِنْ بُرِّكُمْ صَاعاً ، وَرَأَيْتُ صِبْيَانَهُ

1.سورة غافر ۱۷ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 114852
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي