363
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

بِأَقَاويلِ السُّوءِ ، وَالسّلاَمُ .

الشّرْحُ:

رُوي : «ونطقوا مع الهوى» ، أي مائلين مع الهوى . ورُوي : «وأنا أُداري» بالراء ، من المداراة ، وهي الملاينة والمساهلة . ورُوي : «نفع ما أولى» باللام ؛ يقول : أوليته معروفا . ورُوي : «إن قال قائل بباطل ويفسد أمرا قد أصلَحَه اللّه » .
واعلم أنّ هذا الكتاب كتاب مَنْ شكّ في أبي موسى واستوحش منه ؛ ومن قد نقل عنه إلى أبي موسى كلاما إمّا صدقا وإمّا كذبا . وقد نَقَل عن أبي موسى إليه كلاما إمّا صدقا أيضا وأمّا كذبا ، قال عليه السلام : إنّ الناس قد تغيّر كثير منهم عن حظّهم من الآخرة ، فمالوا مع الدنيا . وإنّي نزلت من هذا الأمر منزلاً معجِبا ، بكسر الجيم ، أي يعجِب مَنْ رآه ، أي يجعله متعجّبا منه .
وهذا الكلام شكوى من أصحابه ونُصَّاره من أهل العراق ؛ فإنهم كان اختلافهم عليه واضطرابهم شديدا جدّا . والمنزل والنّزول هاهنا مجاز واستعارة ، والمعنى أنّي حصلت في هذا الأمر الذي حصلت فيه عليه حال معجبة لمن تأمّلها لأنّي حصلت بين قوم كلّ واحد منهم مستبدّ برأي يخالف فيه رأيَ صاحبه ؛ فلا تنتظم لهم كلمة ولا يستوثق لهم أمر ؛ وإن حكمت عليهم برأي أراه أنا خالَفوه وعصوْه ، ومن لا يطاع فلا رأي له ، وأنا معهم كالطبيب الذي يداوي قَرْحا ، أي جراحة قد قاربتْ الاندمال ولم تندمِلْ بعدُ ؛ فهو يخاف أن يعود عَلَقا ، أي دما . ثم قال له : ليس أحد ـ فاعلم ـ أحرصَ على ألفة الأُمّة وضمّ نشْر المسلمين .
وأدخل قوله : «فاعلم» بين اسم ليس وخبرها فصاحة ، ويجوز رفع « أحرص» يجعله صفةً لاسم «ليس» ؛ ويكون الخبر محذوفا ، أي ليس في الوجود رجل .
وتقول : قد وأيتُ وأيا ، أي وعدت وعدا ، قال له : أمّا أنا فسوف أفي بما وعدت وما استقرّ بيني وبينك ؛ وإن كنت أنت قد تغيّرت عن صالح ما فارقتني عليه .
فإن قلت : فهل يجوز أن يكون قوله : «وإن تغيّرت» من جملة قوله فيما بعد « فإنّ الشقيّ » كما تقول : إن خالفتني فإنّ الشقيّ من يخالف الحق؟
قلت : نعم ، والأوّل أحسن ؛ لأنّه أدخلُ في مدْح أمير المؤمنين عليه السلام كأنه يقول : أنا أفي وإن كنتَ لا تفي ، والإيجاب يحسّنه السلْب الواقع في مقابلته . والضدّ يظهر حسنَه الضّدُّ .
ثمّ قال : «وإني لأعْبَد» ، أي آنف ، من عبِد بالكسر أي أنِف ، وفسّروا قوله : «فَأَنَا أوَّلُ


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
362

يدور معه حيثما دار» ، وقوله : «اللهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله» ، ونحو ذلك من الأخبار التي كانت الصحابة قد سمعتها من فَلْقِ فيه صلوات اللّه عليه ، وقد بقي ممن سمعها جماعة تقوم الحجّة وتثبت بنقلهم ، ولو احتجّ بها على الخوارج في أنّه لا يحلّ مخالفته والعدول عنه بحالٍ لحصل من ذلك غرض أمير المؤمنين في محاجّتهم ، وأغراض أُخرى أرفع وأعلى منهم ؛ فلم يقع الأمر بموجب ما أراد ، وقُضي عليهم بالحرْب ؛ حتى أكلتهم عن آخرهم ، وكان أمر اللّه مفعولاً .

78

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام أجاب به أبا موسى الأشعريّ
عن كتاب كتبه إليه من المكان الذي اتعدوا۱فيه للحكومة ، وذكر هذا الكتاب سعيد بن يحيى الأُموي في كتاب المغازي :
ومن كتاب له عليه السلام أجاب به أبا موسى الأشعريّ
عن كتاب كتبه إليه من المكان الذي اتعدوا ۲ فيه للحكومة ، وذكر هذا الكتاب سعيد بن يحيى الأُموي في كتاب المغازي :
فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ تَغَيَّرَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ حَظِّهِمْ ، فَمَالُوا مَعَ الدُّنْيَا ، وَنَطَقُوا بِالْهَوى ؛ وَإِنِّي نَزَلْتُ مِنْ هذَا الْأَمْرِ مَنْزِلاً مُعْجِباً ، اجْتَمَعَ بِهِ أَقْوَامٌ أَعْجَبَتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ ، وَأَنَا أُدَاوِي مِنْهُمْ قَرْحاً أَخَافُ أَنْ يَكُونَ عَلَقاً يَعُودُ . وَلَيْسَ رَجُلٌ - فَاعْلَمْ - أَحْرَصَ عَلَى جَمَاعَةِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَاُلفَتِهَا مِنِّي ، أَبْتَغِي بِذلِكَ حُسْنَ الثَّوَابِ ، وَكَرَمَ الْمَآبِ.
وَسَأَفِي بِالَّذِي وَأَيْتُ عَلَى نَفْسِي ، وَإِنْ تَغَيَّرْتَ عَنْ صَالِحِ مَا فَارَقْتَنِي عَلَيْهِ ، فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ نَفْعَ مَا أُوتِيَ مِنَ الْعَقْلِ وَالتَّجْرِبَةِ ، وَإِنِّي لأَعْبَدُ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ بِبَاطِلٍ ، وَأَنْ أُفْسِدَ أَمْراً قَدْ أَصْلَحَهُ اللّهُ ، فَدَعْ مَا لاَ تَعْرِفُ ، فَإِنَّ شِرَارَ النَّاس طَائِرُونَ إِلَيْكَ

1.في نسخة : أُقْعِدُوا .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 114257
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي