241
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

32

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام إلى معاويةوأرْدَيْتَ جِيلاً مِنَ النَّاس كَثِيراً ؛ خَدَعْتَهُمْ بِغَيِّكَ ، وَأَلْقَيْتَهُمْ فِي مَوْجِ بَحْرِكَ ، تَغْشَاهُمُ الظُّلُمَاتُ ، وَتَتَـلاَطَمُ بِهِمُ الشُّبُّهَاتُ ، فَجَارُوا عَنْ وِجْهَتِهِمْ ، وَنَكَصُوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ ، وَتَوَلَّوْا عَلَى أَدبـَارِهِمْ ، وَعَوَّلُوا عَلَى أَحْسَابِهِمْ ، إِلاَّ مَنْ فَاءَ مِنْ أَهْلِ الْبَصَائِرِ ، فَإِنَّهُمْ فَارَقُوكَ بَعْدَ مَعْرِفَتِكَ ، وَهَرَبُوا إِلَى اللّهِ مِنْ مُوَازَرَتِكَ ، إِذْ حَمَلْتَهُمْ عَلَى الصَّعْبِ ، وَعَدَلْتَ بِهِمْ عَنِ الْقَصْدِ .
فَاتَّقِ اللّهَ يَا مُعَاوِيَةُ فِي نَفْسِكَ ، وَجَاذِبِ الشَّيْطَانَ قيَادَكَ . فَإِنَّ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ عَنْكَ ، وَالآخِرَةَ قَرِيبَةٌ مِنْكَ ، وَالسَّلاَمُ .

الشّرْحُ:

أرديتَهم : أهلكتهم . وجيلاً من الناس ، أي صنفا من الناس . والغيّ : الضلال . وجاروا : عدلوا عن القصد . ووِجهتهم ، بكسر الواو ، يقال : هذا وجه الرأي ، أي هو الرأي بنفسه ، والاسم الوِجْه بالكسر ويجوز بالضم .
قوله : «وعوّلوا عَلَى أحسابهم» ، أي لم يعتمدوا على الدّين ؛ وإنما أردتهم الحميّة ونخوة الجاهلية فأخلدوا إليها وتركوا الدين ، والإشارة إلى بني أُميّة وخلفائهم الَّذين اتّهموه عليه السلام بدم عثمان ، فحاموا عن الحسب ، ولم يأخذوا بموجب الشرع في تلك الواقعة .
ثم استثنى قوما فاؤوا أي رجعوا عن نُصرة معاوية ؛ وقد ذكرنا في أخبار صِفّين مَنْ فارق معاوية ورجع إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، أو فارقه واعتزل الطائفتين .
قوله : «حملتهم على الصعب» أي على الأمر الشاقّ ؛ والأصل في ذلك البعير المستصعَب يركبه الإنسان فيغرّر بنفسه .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
240

الشّرْحُ:

نهاه أن يذكر من الكلام ما كان مضحكا ؛ لأنّ ذلك مِنْ شغل أرباب الهزل والبَطالة ، وقلّ أنْ يخلو ذلك من غيبة أو سخرية . ثم قال : وإن حكيت ذلك عن غيرك ، فإنه كما يستهجن الابتداء بذلك يستهجن حكايته عن الغير ؛ وذلك كلام فصيح ألا ترى أنّه لا يجوز الابتداء بكلمة الكفر ، ويكره أيضا حكايتها .
فأما مشاورة النساء فإنّه من فِعْل عَجزَة الرجال . قوله عليه السلام : «فإنّ رأيَهنَّ إلى أفْن» الأفْن بالسكون : النقص ، والمتأفّن : المتنقّص ، يقال : فلان يتأفّن فلاناً ، أي يتنقّصه ويعيبه . ومن رواه «إلى أفَنٍ» بالتحريك فهو ضعيف الرأي ، أفِن الرجل يأفِن أفَنا ، أي ضعف رأيه . والوهن : الضعف . قوله : «واكفُفْ عليهنّ من أبصارهنّ» من هاهنا زائدة ؛ وهو مذهب أبي الحسن الأخفش في زيادة من في الموجب ، ويجوز أن يحمل على مذهب سيبويه ، فيعني به : فاكفف عليهنّ بعض أبصارهنّ .
ثم ذكر فائدة الحجاب ، ونهاه أن يُدخِلَ عليهنّ من لا يُوثق به ؛ وقال : إنّ خروجهنّ أهونُ من ذلك ، وذلك لأنّ مَنْ تلك صفتُه يتمكن من الخلوة ما لا يتمكن منه مَنْ يراهنّ في الطرقات . قال : «ولا تملّك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها» ، أي لا تدخلها معك في تدبير ولا مشورة ، ولا تتعدّينّ حال نفسها وما يصلح شأنها . فإن المرأة ريحانةٌ ، وليست بقهرمانة ، أي إنما تصلح للمتعة واللذّة ، وليست وكيلاً في مال ، ولا وزيرا في رأي .
ثم أكّد الوصيّة الأُولى ، فقال : لا تَعْدُ بكرامتها نفسها ، هذا هو قوله : «ولا تملّكها من أمرها ما جاوز نفسها» . ثم نهاه أن يطمِعَها في الشفاعات .
فأما قوله عليه السلام : «إيّاك والتغاير في غير موضع غَيْرة» فقد قيل هذا المعنى ، قال بعض المحدثين :

يا أيّها الغائر مَهْ لا تغَرْإلاّ لِمَا تُدْركه بالبَصَرْ
ما أنت في ذلك إلاّ كمنْبيّته الدبّ لرمْيِ الحجرْ
فأما قوله : «واجعل لكلّ إنسان من خَدَمك عملاً تأخذه به» ، قال أبرويز في وصيّتِهِ لولده شيرويه : ولا تجعل أمرك فوضَى بين خدمِك فيفسد عليك ملكك .
وأمّا قوله : «فأكرِم عشيرتك فإنّهم جناحك» ، فقد تقدّم منّا كلام في وجوب الاعتضاد بالعشائر .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 113984
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي