575
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

أن يوصف بذلك ويشار إليه فيه ، كذلك لا يهلك بعدوله عنه إلاّ من هو أعظم الهالكين ، ومن يشارُ إليه بالهلاك ، وقد بلغ الغاية في الهلاك .
ثم قال : « إنّ المبتدعاتِ المشبّهاتِ هنّ المهلكات » ، المبتدَعات : ما أُحدِث ولم يكن على عهد الرسول . والمشبّهات : التي تشبِه السنن وليست منها ، أي المشبَّهات بالسنن . وروي : « المشبِّهات » بالكسر ، أي المشبّهات على الناس ، يقال : قد شبِّه عليه الأمر ، أي أُلبِس عليه ، ويروى : « المشتَبهات » أي الملتَبسات ، لا يُعرف حقُّها من باطلها .
قال : « إلاّ مَنْ حفظ اللّه » ، أي مَنْ عصمه اللّه بألطاف يمتنع لأجلها عن الخطأ . ثم أمَرَهم بلزوم الطّاعة ، واتباع السلطان ، وقال : إنّ فيه عصمة لأمركم ؛ فأعطوه طاعَتكم غير مُلَوّمة ، أي مخلصين ذوي طاعة محضة لا يلامُ باذلها ، أي لا ينسَب إلى النفاق . ولا مستكره بها ، أي ليست عن استكراه ، بل يبذلونها اختيارا ومحبّة ، ويروى : « غير ملويّة » أي معوجة ، من لَوَيْتُ العود .
ثم أقسم إنّهم إن لم يفعلوا وإلاّ نقل اللّه عنهم سلطان الإسلام ـ يعني الخلافة ـ ثم لا يعيده إليهم أبداً ، حتى يأرز الأمر إلى غيرهم ، أي حتى ينقبض وينضمّ ويجتمع . وقد تمالؤوا : قد اجتمعوا . وتساعدوا على سَخْطة إمارتي : على كراهيتها وبغضها . ثم وعد بالصبر عليهم ما لم يُخَفْ من فرقة الجماعة ، وانتشار حبل الإسلام . وفَيالة الرأي : ضعفه ، وكذلك فُيولته ؛ ورجل فِيلُ الرأي : أي ضعيفه . قال : إن تمّوا على هذا الرأي الضعيف قَطعوا نظام المسلمين وفَرّقوا جماعتهم .
ثم ذكر أن الحسد دعاهم إلى ذلك . وأفاءها عليه : ردّها عليه ، فاء يفيء : رجع وفلان سريع الفيء من غَضَبه ، أي سريع الرجوع . وإن لحسن الفِيئَة بالكسر ؛ مثال « الفِيعة » أي حسن الرجوع ؛ وهذا الكلام لا يشعر بأنّه عليه السلام كان يعتقد أن الأمر الجزء من الكلّ ، وأنهما من جوهر واحد ، فلما كان الوالي قديماً وهو رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، ثم تخلّل بين ولايته صلى الله عليه و آله وسلموولاية أمير المؤمنين عليه السلام ولايات غريبة سمّى ولايته فيئا ورجوعا ؛ لأنها رجعت إلى الدَّوْحة الهاشميّة ؛ وبهذا يجب أن يتأوّل قوله : « فأرادوا ردّ الأُمور على أدبارها » أي أرادوا انتزاع الخلافة من بني هاشم ، كما انتزعت أولاً ، وإقرارها في بيوت بعيدة عن هذا البيت ، أُسوة بما وقع من قبل . والنَّعش : مصدر نعش ، أي رفع ، ولا يجوز : أنعش .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
574

ولكنه كلام قاله أوّل مسير طلحة والزبير إلى البَصْرة ، فإنه حينئذٍ أشارَ عليه قوم بمعاقبة المجلِبين ، فاعتذر بما قد ذكر ، ثم قال : « وسأمسك الأمر ما استمسك » ، أي أمسك نفسي عن محاربة هؤلاء الناكثين للبيعة ما أمكنني ، وأدفع الأيام بمراسلتهم وتخويفهم وإنذارهم ، وأجتهد في ردهم إلى الطاعة بالترغيب والترهيب ، فإذا لم أجد بُدّا من الحرب ، فآخر الدواء الكَيّ ، أي الحرب ؛ لأنها الغاية التي ينتهي أمر العصاة إليها .

170

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلام عند مسير أصحاب الجمل إلى البصرةإِنَّ اللّهَ بَعَثَ رَسُولاً هَادِياً بِكِتَابٍ نَاطِقٍ وَأَمْرٍ قَائمٍ ، لاَ يَهْلِكُ عَنْهُ إِلاَّ هَالِكٌ . وَإِنَّ الْمُبْتَدَعَاتِ الْمُشَبَّهَاتِ هُنَّ الْمُهْلِكَاتُ إِلاَّ مَا حِفِظَ اللّهُ مِنْهَا . وَإِنَّ فِي سُلْطَانِ اللّهِ عِصْمَةً لِأَمْرِكُمْ ، فَاعْطُوهُ طَاعَتَكُمْ غَيْرَ مُلَوَّمَةٍ وَلاَ مُسْتَكْرَهٍ بِهَا . وَاللّهِ لَتَفْعَلُنَّ أَوْ لَيَنْقُلَنَّ اللّهُ عَنْكُمْ سُلْطَانَ الاْءِسْلاَمِ ، ثُمَّ لاَ يَنْقُلُهُ إِلَيْكُمْ أَبَداً حَتَّى يَأْرِزَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِكُمْ .
إِنَّ هؤلاَء قَدْ تَمَالَؤوا عَلَى سَخْطَةِ إِمَارَتي ، وَسَأَصْبِرُ مَا لَمْ أَخَفْ عَلَى جَمَاعَتِكُمْ؛ فَإِنَّهُمْ إِنْ تَمَّمُوا عَلَى فَيَالَةِ هذَا الرَّأْيِ انْقَطَعَ نِظَامُ الْمُسْلِمِينَ ، وَإِنَّمَا طَلَبُوا هذِهِ الدُّنْيَا حَسَداً لِمَنْ أَفَاءَهَا اللّهُ عَلَيْهِ ، فَأَرَادُوا رَدَّ الْأُمُورِ عَلَى أَدبارِهَا . وَلَكُمْ عَلَيْنَا الْعَمَلُ بِكِتَابِ اللّهِ تَعَالَى وَسنّةِ رَسُولِه صلى الله عليه و آله وسلم وَالْقِيَامُ بِحَقِّهِ ، وَالْنَّعْشُ لِسُنَّتِهِ .

الشّرْحُ :

وأمر قائم ، أي مستقيم ليس بذي عَوَج . لا يهلك عنه إلاّ هالك ، تقديره : لا يهلك عادلاً عنه إلاّ هالك ؛ وهذا كما تقول : لا يعلم هذا الفنّ إلاّ عالم ، أي مَنْ قد بلغ الغاية في العلم واستحقّ

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 87860
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي