ثبوتها واستقرارها . وقوله : « فالحدّ لخلقه مضروب ، وإلى غيره منسوب » ، وقوله : « ولا له بطاعة شيء انتفاع » ؛ لأ نّه إنّما ينتفع الجسم الذي يصحّ عليه الشهوة والنّفرة ؛ كلُّ هذا داخل تحت هذا الوجه .
الأصل الثاني : أ نّه تعالى عالم لذاته ، فيعلم كلَّ معلوم ، ويدخل تحت هذا الأصل قوله عليه السلام : « لا تخَفى عليه من عبادِه شخوص لحظة » ، أن تسكن العين فلا تتحرّك . ولا « كرور لفظة » ، أي رجوعها . « ولا ازدلاف ربوة » ، صعود إنسان أو حيوان ربوة من الأرْض ، وهي الموضع المرتفع . « ولا انبساط خطوة . في ليل داج » ، أي مظلم . « ولا غسق ساج » ، أي ساكن . ثم قال : « يتفيّأ عليه القمر المنير » ، هذا من صفات الغَسَق ، ومن تتمّة نعته ؛ ومعنى « يتفيّأ عليه » : يتقلّب ذاهبا وجائياً في حالَتَيْ أخذه في الضوء إلى التبدّر ، وأخذه في النقص إلى المحاق . وقوله : « وتعقّبه » ، أي وتتعقّبه ، فحذف إحدى التاءين ، كما قال سبحانه : « الَّذِينَ تَوفَّاهُمُ المَلائِكَةُ »۱ ، أي « تتوفّاهم » ، والهاء في « وَتَعَقَّبُهُ » تَرجع إلى القمر ، أي وتسير الشمس عقِبه في كروره ، وأُفوله ، أي غيبوبته ، وفي تقليب الأزمنة والدهور ، من إقبال ليلٍ وإدبار نهار . كأنه عليه السلام قال : لا يخفى على اللّه حركةٌ في نهار ولا ليل ، يتفيّأ عليه القمر ، وتعقبه الشمس ، أي تظهر عقيبه ، فيزول الغسق بظهورها .
الأصل الثالث : أ نّه تعالى قادر لذاته ، فكان قادرا على كلّ الممكنات ، ويدخل تحته قوله : « لم يخلق الأشياء من أُصول أزليّة ، ولا من أوائل أبدية ، بل خلق ما خلق فأقام حدّه ، وصوّر ما صوّر فأحسن صورته » ، والردّ في هذا على أصحاب الهيولى والطينة التي يزعمون قدَمها . ويدخل تحته قوله : « ليس لشيء [منه] امتناع » ؛ لأ نّه متى أراد إيجادَ شيء أوجدَه ، ويدخل تحته قوله : « خرّت له الجباه » ، أي سجدت . و « وحّدته الشفاه » ، يعني الأفواه ، فعبر بالجزء عن الكلّ مجازاً ؛ وذلك لأنّ القادر لذاته هو المستحق للعبادة لخلقه أُصول النِّعم . كالحياة والقدرة والشهوة .
واعلم أنّ هذا الفنّ هو الذي بان به أمير المؤمنين عليه السلام عن العرب في زمانه قاطبة ، واستحقّ به التقدّم والفَضْل عليهم أجمعين . ولم يُنْقَل عن أحد من العرب غيره في هذا الفنّ حرف واحد ، ولا كانت أذهانهم تَصِلُ إلى هذا ، ولا يفهمونه بهذا الفن ، فَهْوَ منفرد فيه ، وبغيره من الفنون مشارك لهم ، وراجح عليهم .