533
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

قوله : « وحفّاظ صدق »؛ يعني الملائكة الكاتبين، لا يُعتصم منهم بسترة ولا ظلام ليل . قوله : « وإنّ غداً من اليوم قريب » ، ومنه قول القائل : فإنّ غَداً لناظِرِهِ قَرِيب والصيحة : نفخة الصُّور . وزاحت الأباطيل : بعدت . واضمحلّت : تلاشت وذهبت . قوله : « واستحقّت » ، أي حقت ووقعت ، استفعل بمعنى « فعل » ، كقولك : استمرّ على باطله ، أي مَرّ عليه . وصدرت بكم الأُمور مصادرها ، كلّ وارد فله صَدَر عن مورده ، وصدَر الإنسان عن موارد الدنيا : الموت ثم البعث .

159

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلامأرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ ، وَطُولِ هَجْعَةٍ مِنَ الْأُمَمِ ، وَانْتِقَاضٍ مِنَ الْمُبْرَمِ ؛ فَجَاءَهُمْ بِتَصْدِيقِ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَالنُّورِ الْمُقْتَدَى بِهِ . ذلِكَ الْقُرْآنُ فَاسْتَنْطِقُوهُ ، وَلَنْ يَنْطِقَ ، وَلَكِنْ أُخْبِرُكُمْ عَنْهُ ... أَلاَ إِنَّ فِيهِ عِلْمَ مَا يَأتِي ، وَالْحَدِيثَ عَنِ الْمَاضِي ، وَدَوَاءَ دَائِكُمْ ، وَنَظْمَ مَا بَيْنَكُمْ .

الشّرْحُ :

الهجْعة : النَّوْمة الخفيفة ؛ وقد تستعمل في النّوْم المستغرَق أيضا والمبرَم : الحبل المفتول . والذي بين يديه : التوراة والإنجيل .
فإن قلت : التوراة والإنجيل قبله ، فكيف جعلهما بين يديه؟
قلت : أحد جزأي الصلة محذوف وهو المبتدأ ؛ والتقدير : بتصديق الذي هو بين يديه ؛ وهو ضمير القرآن ، أي بتصديق الذي القرآن بين يديه ؛ وحذف أحد جزأي الصلة هاهنا ، ثم حذفه في قوله تعالى : « تَمَاما عَلَى الَّذِي أحْسَنَ وَتَفْصِيلاً »۱ ، في قراءة مَنْ جعله اسماً

1.سورة الأنعام ۱۵۴ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
532

ثمانية ، الواحدة شائلة ، وهي جَمْعٌ عَلَى غير القياس . وشَوّلت الناقة ، أي صارت شائلة ، فأمّا الشائلة بغيرها ، فهي الناقة تَشُول بذَنبها للّقاح ولا لبنَ لها أصلاً ، والجمع شُوّل ، مثل راكع وركّع . والزاجر : الذي يزجر الإبل بسوقها ، ويقال : حدوتُ إبلي وحدوتُ بإبلي ، والحدو سَوْقها ، والغناء لها ، وكذلك الحُداء ، ويقال للشَّمال : حَدْواء ؛ لأنّها تحدو السحاب ، أي تسوقه . والمعنى أنّ سائقَ الشَّوْل يعسِف بها ، ولا يتَّقي سَوْقها ولا يدّارك كما يسوق العِشار .
ثم قال عليه السلام : « مَنْ شغَل نفسَة بغير نفسه هلك » ، وذلك أنّ من لا يوفّي النظرَ حقّه ، ويميل إلى الأهواء ونُصرة الأسلاف . والحجاج عَمّا رُبِّيَ عليه بين الأهل والأستاذِينَ الذين زرعوا في قلبه العقائد ؛ يكون قد شغل نفسَه بغير نفسه ؛ لأ نّه لم ينظر لها ، ولا قصد الحقّ من حيث هو حقّ ، وإنّما قصد نُصْرة مذهب معيّن يشقُّ عليه فراقه ، ويصعب عنده الانتقال منه ؛ ويسوءه أن يردّ عليه حجةً تبطله ، فيُسهر عينه ، ويُتعب قلبَه في تهويس ۱ تلك الحجة والقدح فيها بالغثّ والسمين ، لا لأ نّه يقصد الحقّ ، بل يقصد نصرة المذهب المعيّن ، وتشييد دليله ، لا جَرَم أ نّه متحيّر في ظلمات لا نهاية لها ! والارتباك : الاختلاط ، ربكت الشيء أربكه رَبكا ، خلطته فارتبك ، أي اختلط ، وارتبك الرَّجل في الأمر ، أي نشب فيه ولم يكد يتخلّص منه . قوله : « ومدّت به شياطينه في طغيانه » ، مأخوذ من قوله تعالى : « وَإخْواَنُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثمَّ لاَ يُقْصِرُونَ »۲ . وروي : « ومدّت له شياطينه » باللاّم ، ومعناه الإمهال ، مدَّ له في الغيّ ، أي طوّل له ، وقال تعالى : « قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلاَلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحمنُ مَدّا »۳ . قوله : « وزينت له سيّئ ، أعماله » ، مأخوذ من قوله تعالى : « أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنا »۴ . قوله : « ويشيب فيه الأطفال » كلامٌ جارٍ مجرى المثل ، يقال في اليوم الشديد : إنّه ليُشِيب نواصي الأطفال ؛ وقال تعالى : « فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إنْ كَفَرْتُمْ يَوْما يَجْعَلُ الْولْدَانَ شِيبا »۵ ، وليس ذلك على حقيقته ؛ لأنّ الأُمّة مجمعة على أنّ الأطفال لا تتغيّر حالهم في الآخرة إلى الشيب ؛ والأصل في هذا أنّ الهموم والأحزان إذا توالتْ على الإنسان شاب سريعا .
قوله : « إنّ عليكم رصدا من أنفسكم ، وعيونا من جوارحكم » ؛ لأنّ الأعضاء تنطق في القيامة بأعمال المكلفين ، وتشهد عليهم . والرَّصَد جَمع راصد ، كالحرس جمع حارس .

1.تهويس الحجة : إفسادها .

2.سورة الأعراف ۲۰۲ .

3.سورة مريم ۷۵ . ۴ . سورة فاطر ۸ .

4. . قوله : « التقوى دار حصن عزيز » ، معناه دار حَصَانة عزيزة ، فأقام الاسم مقام المصدر ، وكذلك في الفجور . ويحرز مَنْ لجأَ إليه : يحفظ من اعتصم به . وحُمَّة الخطايا : سمّها ، وتقطع الحمة ، كما تقول : قطعت سَرَيان السمّ في بدن الملسوع بالبادزهرات والترياقات ؛ فكأنه جعل سمّ الخطايا ساريا في الأبدان ، والتَّقْوى تقطع سريانه . قوله : « وباليقين تدرك الغاية القصوى » ؛ وذلك لأنّ أقصى درجات العرفان الكشف ؛ وهو المراد هاهنا بلفظ اليقين . وانتصب « اللّه ، اللّه » على الإغراء . و « في » متعلّقة بالفعل المقدّر ؛ وتقديرة : راقبوا . وأعزّ الأنفس عليهم ، أنفسهم . قوله : « فشِقْوة لازمة » ، مرفوع على أ نّه خبر مبتدأ محذوف ؛ تقديره : فغايتكم ، أو فجزاؤكم ، أو فشأنكم ؛ وهذا يدلّ على مذهبنا في الوعيد ؛ لأ نّه قَسَم الجزاء إلى قسمين ، إمّا العذاب أبداً ، أو النعيم أبداً ؛ وفي هذا بطلان قول المرجئة : إنّ ناسا يخرجون من النّار فيدخلون الجنة ؛ لأنّ هذا لو صَحّ لكان قسما ثالثا . قوله : « فقد دُلِلتُم على الزّاد » ، أي الطاعة . وأمرتم بالظَّعن ، أي أمرتم بهجْر الدنيا ، وأنْ تظعَنُوا عنها بقلوبكم . ويجوز : « الظَّعْن » بالتسكين . وحُثِثتم على المسير ؛ لأنّ الليل والنهار سائقان عنيفان . قوله : « وإنّما أنتم كركْب وقوف لا يَدْرُون مَتَى يؤمرون بالسير » ، السَّيْر هاهنا ، هو الخروج من الدنيا إلى الآخرة ، بالموت . جعل الناس ومقامهم في الدنيا كركْب وقوف لا يدرون متى يقال لهم : سيروا فيسيرون ؛ لأنّ النّاس لا يعلمون الوقت الذي يموتون فيه . فإن قلت : كيف سمّى الموت والمفارقة سيرا؟ قلت : لأنّ الأرواح يُعْرَجُ بها إمّا إلى عالمها وهم السُّعداء ، أو تهوي إلى أسفل السافلين وهم الأشقياء ؛ وهذا هو السَّيْر الحقيقي ، لا حركة الرجل بالمشي . و « ما » في « عَمّا قليل » زائدة . وتَبِعتُه : إثمهُ وعقوبته . قوله : « إنه ليس لما وعد اللّه من الخير مَتْرَك » ، أي ليس الثواب فيما ينبغي للمرء أن يتركَه ، ولا الشرّ فيما ينبغي أن يرغب المرء فيه . وتفحَصُ فيه الأعمال : تكشف . والزَّلزال ، بالفتح : اسم للحركة الشديدة والاضطراب ، والزِّلْزال ؛ بالكسر المصدر ، قال تعالى : « وَزُلْزِلوا زِلْزَالاً شَدِيدا » سورة الأحزاب ۱۱ .

5.سورة المزمل ۱۷ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 87819
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي