475
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

الشّرْحُ :

آثروا : اختاروا . وأخّروا : تركوا . الآجن : الماء المتغيّر . أجَن الماء يأجُن ويأجِن .
وبَسِئ به : ألفه ، وناقة بَسُوء : ألِفت الحالب ولا تمنعه . وشابت عليه مفارقه : طال عهده به مُذ زَمن الصّبا حتى صار شيخا . وصبِغت به خلائقه ما صارت طبعا ؛ لأنّ العادة طبيعة ثانية . مُزْبدا ، أي ذو زَبَدٍ ، وهو ما يخرج من الفم كالرّغوة ؛ يضرب مثلاً للرجل الصائل المقتحم . والتيّار : معظم اللجّة ، والمراد به هاهنا السّيل . والهشيم : دقاق الحطَب . ولا يحفَل ، بفتح حرف المضارعة ؛ لأنّ الماضي ثلاثي ، أي لا يبالي .
والأبصار اللامحة : الناظرة . وتشاحُّوا : تضايقوا ، كلٌّ منهم يريد ألاّ يفوته ذلك ، وأصله الشحّ ، وهو البخل .
فإن قلت : هذا الكلام يرجع إلى الصحابة الذين تقدّم ذكرهم في أوّل الخطبة !
قلت : لا ؛ وإن زعم قوم أ نّه عناهم ؛ بل هو إشارة إلى قوم ممّن يأتي من الخَلف بعد السلَف ، ألا تراه قال : كأنّي أنظرُ إلى فاسقهم قد صحب المنكر فألفه ؛ وهذا اللفظ إنما يقال في حقّ من لم يوجَد بعد ، كما قال في حقّ الأتراك : « كأنّي أنظر إليهم قوما كأنّ وجوهَهم المجانّ » ، وكما قال في حقّ صاحب الزنج : « كأنّي به يا أحنف قد سار في الجيش » ، ولولا قوله : « كأنّي أنظر إلى فاسقهم » لم أبعد أن يعنيَ بذلك قوما ممّن عليه اسم الصحابة وهو رديء الطريقة ، كالمغيرة بن شعبة ، وعمرو بن العاص ، ومَرْوان بن الحكم ، ومعاوية ، وجماعة معدودة أحبُّوا الدنيا واستغواهُم الشَّيطان ؛ وهم معدودون في كتب أصحابنا . ومن اشتغل بعلوم السيرة والتواريخ عرفهم بأعيانهم .

145

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلامأَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّمَا أنْتُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيَا غَرَضٌ تَنْتَضِلُ فِيهِ الْمَنَايَا ، مَعَ كُلِّ جَرْعَةٍ


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
474

بمذهب للمعتزلة ؛ لا متقدّميهم ولا متأخّريهم!
قلت : هذا الموضع مشكل ، ولي فيه نظر ؛ وإن صحّ أن عليا عليه السلام قاله ، قلتُ كما قال ؛ لأ نّه ثبت عندي أنّ النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال : « إنه مع الحق ، وإن الحق يدور معه حيثما دار » ، ويمكن أن يتأوّل ويطبّق على مذهب المعتزلة ، فيحمل على أن المراد كمالُ الإمامة كما حمل قوله صلى الله عليه و آله وسلم : « لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد » على نفي الكمال ، لا على نفي الصحة ۱ .

الأصْلُ :

۰.منها :آثَرُوا عَاجِلاً وَأَخَّرُوا آجِلاً ، وَتَرَكُوا صَافِياً ، وَشَرِبُوا آجِناً كَأ نّي أَنْظُرُ إِلَى فَاسِقِهِمْ وَقَدْ صَحِبَ الْمُنكَرَ فَأَلِفَهُ ، وَبَسْئَ بِهِ وَوَافَقَهُ ، حَتَّى شَابَتْ عَلَيْهِ مَفَارِقُهُ ، وَصُبِغَتْ بِهِ خَلاَئِقُهُ ، ثُمَّ أَقْبَلَ مُزْبِداً كَالتَّيَّارِ لاَ يُبَالِي مَا غَرَّقَ ، أَوْ كَوَقْعِ النَّارَ فِي الْهَشِيمِ لاَ يَحْفِلُ مَا حَرَّقَ .
أَيْنَ الْعُقُولُ الْمُسْتَصْبِحَةُ بِمَصَابِيحِ الْهُدَى ، وَالْأَبْصَارُ الْلاَّمِحَةُ إِلَى مَنَازِلِ التَّقْوَى ! أَيْنَ الْقُلُوبُ الَّتِي وُهِبَتْ للّه ، وَعُوقِدَتْ عَلَى طَاعَةِ اللّهِ ! ازْدَحَمُوا عَلَى الْحُطَامِ ، وَتَشَاحُّوا عَلَى الْحَرَامِ؛ وَرُفِعَ لَهُمْ عَلَمُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، فَصَرَفُوا عَنِ الْجَنَّةِ وُجُوهَهُمْ ، وَأَقْبَلُوا إِلَى النَّارِ بِأعْمَالِهِمْ ؛ وَدَعَاهُمْ رَبُّهُمْ فَنَفَرُوا وَوَلَّوْا ، وَدَعَاهُمُ الشَّيْطَانُ فَاسْتَجَابُوا وَأَقْبَلُوا!

1.أقول : إنّ ابن أبي الحديد أقرّ بأنّه نصّ صريح ؛ فلا يحتمل التأويل إذا . وتأويله بارد كتأويل بعض المتكلمين ؛ أن النهي عن الخمر في القرآن على جهة التأديب .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 88580
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي