463
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

الأصْلُ :

۰.منها :كأ نَّي بِهِ قَدْ نَعَقَ بِالشَّامِ ، وَفَحَصَ بِرَايَاتِهِ فِي ضَوَاحِي كُوفَانَ ، فَعَطَفَ إليْهَا عَطْفَ الضَّرُوس ، وَفَرَشَ الْأَرْضَ بِالرُّؤوس . قَدْ فَغَرَتْ فَاغِرَتُهُ ، وَثَقُلَتْ فِي الْأَرْض وَطأ تُهُ ، بَعِيدَ الْجَوْلَةِ ، عَظِيمَ الصَّوْلَةِ . وَاللّهِ لَيُشَرِّدَنَّكُمْ فِي أَطْرَافِ الْأَرْض حَتَّى لاَ يَبْقَى مَنْكُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ ، كَالْكُحْلِ فِي الْعَيْنِ ، فَـلاَ تَزَالُونَ كَذلِكَ ، حَتَّى تَؤوبَ إِلَى الْعَرَبِ عَوَازِبُ أَحْلاَمِهَا . فَالْزَمُوا السُّنَنَ الْقَائِمَةَ ، وَالآثَارَ الْبَيِّنَةَ ، وَالْعَهْدَ الْقَرِيبَ الَّذِي عَلَيْهِ بَاقِي النُبُوَّةِ . وَاعْلَمُوا أَنَّ الشَّيْطَانَ إِنَّمَا يُسَنِّي لَكُمْ طُرُقَهُ لِتَتَّبِعُوا عَقِبَهُ .

الشّرْحُ :

هذا إخبار عن عبد الملك بن مَرْوان وظهوره بالشام وملْكه بعد ذلك العراق ، وما قتَل من العرب فيها أيّامَ عبد الرّحمان بن الأشعث ، وقتلِه أيام مصعب بن الزبير . ونعق الراعي بغنمه ، بالعين المهملة ، ونَغَق الغراب بالغين المعجمة . وفحص براياته هاهنا : مفعول محذوف تقديره : وفحص الناسَ براياته ، أي نحّاهم وقلّبهم يميناً وشمالاً . وكوفان : اسم الكوفة . وضواحيها : ما قرب منها من القرى . والضَّروس : الناقة السيّئة الخلُق تعضّ حالبها .
وقوله : « وفرش الأرض بالرءوس » : غطّاها بها كما يغطّى المكان بالفراش . وفغرت فاغرتُه ؛ كأنه يقول : فتح فاه ؛ والكلام استعارة ، وفَغَر « فَعَل » يتعدّى ولا يتعدّى . وثقُلتْ في الأرض وطأته ، كناية عن الجوْر والظلْم . بعيد الجولة : استعارة أيضا ؛ والمعنى أنّ تطواف خيوله وجيوشه في البلاد ، أو جَوَلان رجاله في الحرب على الأقران طويل جدّا لا يتعقّبه السكون إلاّ نادراً . وبعيد منصوب على الحال ، وإضافته غير مَحْضة . وعوازب أحلامها : ما ذهب من عقولها ، عزَبَ عنه الرأي ، أي بعُد . ويسنّي لكم طرقَه ، أي يسهل . والعقِب ، بكسر القاف : مؤخّر القدم ، وهي مؤنثة .
ثم أمرهم عليه السلام بأن يلزموا بعد زوال تلك الدولة الكتابَ والسنة ، والعهد القريب الذي عليه باقي النبوّة ـ يعني عهده وأيامه عليه السلام ـ وكأنّه خاف من أن يكون بإخباره لهم بأنّ دولة هذا الجبار ستنقضي إذا آبت إلى العرب عوازب أحلامها ، كالأمر لهم باتباع ولاة الدولة الجديدة


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
462

مَسَاوِئِ أَعْمَالِهَا ، وَتُخْرِجُ لَهُ الْأَرْضُ أَفَالِيذَ كَبِدِهَا ، وَتُلْقِي إِلَيْهِ سِلْماً مَقَالِيدَهَا ، فَيُرِيكُمْ كَيْفَ عَدْلُ السِّيرَةِ ، وَيُحْييِ مَيِّتَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ .

الشّرْحُ :

الساق : الشدّة ، ومنه قوله تعالى : « يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ »۱ . والنواجذ : أقصى الأضراس ، والكلام كناية عن بلوغ الحرب غايتَها ، كما أنّ غاية الضحك أن تبدُو النواجذ . وكذلك قوله : « مملوءةً أخلافها » ، والأخلاف للناقة حلمات الضرع ، واحدها خِلْف . وقوله : « حلواً رضاعها ، علقماً عاقبتها » قد أخذه الشاعر ، فقال :

الحرْبُ أوّلَ ما تكون فتيةًتسعى بزينتها لكلّ جَهولِ
حتى إذا اشتعلتْ وشبَّ ضِرامُهاعادت عجوزا غير ذات حليلِ
وقوله : « ألاَ وفي غدٍ » تمامه « يأخذ الوالي » وبين الكلام جملة اعتراضية ، وهي قوله : « وسيأتي غدٌ بما لا تعرفون » والمراد تعظيم شأن الغد الموعود بمجيئه .
قوله عليه السلام : « يأخذ الوالِي من غيرها عُمّالها على مساوئ أعمالها » كلام منقطع عما قبله ، وقد كان تقدم ذكر طائفة من الناس ذات ملك وإمْرَة ، فذكر عليه السلام أنّ الواليَ ـ يعني الإمام الذي يخلقه اللّه تعالى في آخر الزمان ـ يأخذ عمال هذه الطائفة على سوء أعمالهم . و « على » هاهنا متعلقة بـ « يأخذ » التي هي بمعنى « يؤاخذ » من قولك : أخذته بذنبه ، وآخذنه ، والهمز أفصح . والأفاليذ : جمع أفلاذ ، وأفلاذ جمع فَلْذ ، وهي القطعة من الكبِد ، وهذا كناية عن الكنوز التي تظهر للقائم بالأمر ؛ وقد جاء ذكر ذلك في خبر مرفوع في لفظة : « وقاءت له الأرض أفلاذ كبدها » ۲ ، وقد فسر قوله تعالى : « وَأَخْرَجَتِ الأرْضُ أثْقَالَها»۳ بذلك في بعض التفاسير . والمقاليد : المفاتيح .

1.سورة القلم ۴۲ .

2.المجازات النبوية للشريف الرضي : ص۳۰۵ ، تفسير القمي ۲ : ۳۰۷ ، صحيح الترمذي ۳ : ۳۳۴ ح۲۳۰۶ ، مجمع الزوائد للهيثمي ۷ : ۳۲۸ ، شرح مسلم للنووي ۲ : ۱۹۱ و۷ : ۹۸ .

3.سورة الزلزلة ۲ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 87930
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي