الأصْلُ :
۰.منها :كأ نَّي بِهِ قَدْ نَعَقَ بِالشَّامِ ، وَفَحَصَ بِرَايَاتِهِ فِي ضَوَاحِي كُوفَانَ ، فَعَطَفَ إليْهَا عَطْفَ الضَّرُوس ، وَفَرَشَ الْأَرْضَ بِالرُّؤوس . قَدْ فَغَرَتْ فَاغِرَتُهُ ، وَثَقُلَتْ فِي الْأَرْض وَطأ تُهُ ، بَعِيدَ الْجَوْلَةِ ، عَظِيمَ الصَّوْلَةِ . وَاللّهِ لَيُشَرِّدَنَّكُمْ فِي أَطْرَافِ الْأَرْض حَتَّى لاَ يَبْقَى مَنْكُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ ، كَالْكُحْلِ فِي الْعَيْنِ ، فَـلاَ تَزَالُونَ كَذلِكَ ، حَتَّى تَؤوبَ إِلَى الْعَرَبِ عَوَازِبُ أَحْلاَمِهَا . فَالْزَمُوا السُّنَنَ الْقَائِمَةَ ، وَالآثَارَ الْبَيِّنَةَ ، وَالْعَهْدَ الْقَرِيبَ الَّذِي عَلَيْهِ بَاقِي النُبُوَّةِ . وَاعْلَمُوا أَنَّ الشَّيْطَانَ إِنَّمَا يُسَنِّي لَكُمْ طُرُقَهُ لِتَتَّبِعُوا عَقِبَهُ .
الشّرْحُ :
هذا إخبار عن عبد الملك بن مَرْوان وظهوره بالشام وملْكه بعد ذلك العراق ، وما قتَل من العرب فيها أيّامَ عبد الرّحمان بن الأشعث ، وقتلِه أيام مصعب بن الزبير . ونعق الراعي بغنمه ، بالعين المهملة ، ونَغَق الغراب بالغين المعجمة . وفحص براياته هاهنا : مفعول محذوف تقديره : وفحص الناسَ براياته ، أي نحّاهم وقلّبهم يميناً وشمالاً . وكوفان : اسم الكوفة . وضواحيها : ما قرب منها من القرى . والضَّروس : الناقة السيّئة الخلُق تعضّ حالبها .
وقوله : « وفرش الأرض بالرءوس » : غطّاها بها كما يغطّى المكان بالفراش . وفغرت فاغرتُه ؛ كأنه يقول : فتح فاه ؛ والكلام استعارة ، وفَغَر « فَعَل » يتعدّى ولا يتعدّى . وثقُلتْ في الأرض وطأته ، كناية عن الجوْر والظلْم . بعيد الجولة : استعارة أيضا ؛ والمعنى أنّ تطواف خيوله وجيوشه في البلاد ، أو جَوَلان رجاله في الحرب على الأقران طويل جدّا لا يتعقّبه السكون إلاّ نادراً . وبعيد منصوب على الحال ، وإضافته غير مَحْضة . وعوازب أحلامها : ما ذهب من عقولها ، عزَبَ عنه الرأي ، أي بعُد . ويسنّي لكم طرقَه ، أي يسهل . والعقِب ، بكسر القاف : مؤخّر القدم ، وهي مؤنثة .
ثم أمرهم عليه السلام بأن يلزموا بعد زوال تلك الدولة الكتابَ والسنة ، والعهد القريب الذي عليه باقي النبوّة ـ يعني عهده وأيامه عليه السلام ـ وكأنّه خاف من أن يكون بإخباره لهم بأنّ دولة هذا الجبار ستنقضي إذا آبت إلى العرب عوازب أحلامها ، كالأمر لهم باتباع ولاة الدولة الجديدة