225
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكوبٍ » 1 .
وقوله : « وأعل على بناء البانين بناءه » ، أي اجعل منزلته في دار الثواب أعلى المنازل . وأتمم له نورَه ، من قوله تعالى : « رَبَّنَا أتْمِمْ لَنَا نُورَنَا » 2 . وقد روِي أنه تُطفأ سائر الأنوار إلاّ نور محمد صلى الله عليه و آله وسلم ، ثم يعطى المخلصون من أصحابه أنوارا يسيرة يبصرون بها مواطئ الأقدام ، فيدعُون إلى اللّه تعالى بزيادة تلك الأنوار وإتمامها . ثم إن اللّه تعالى يتمّ نور محمد صلى الله عليه و آله وسلم ، فيستطيلُ حتى يملأ الآفاق ، فذلك هو إتمام نوره صلى الله عليه و آله وسلم .
قوله : « من ابتعاثك له » ، أي في الآخرة . مقبول الشهادة ، أي مصدَّقاً فيما يشهد به على أُمّته وعلى غيرها من الأُمم .
وقوله : « ذا منطق عَدْل » ، أي عادل ، وهو مصدر أقيم مقام اسم الفاعل ؛ كقولك : رجل فِطْر وصَوْم ، أي مفطر وصائم .
وقوله : « وخطبة فصل » أي يخطب خطبة فاصلة يوم القيامة ، كقوله تعالى : « إنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ » 3 ، أي فاصل يفصل بين الحقّ والباطل ؛ وهذا هو المقام المحمود الذي ذكره اللّه تعالى في الكتاب ، فقال : « عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاما مَحْمُودا» 4 .
قوله : « في بَرْد العيش » ؛ تقول العرب : عيش بارد ومعيشة باردة ، أي لا حَرْب فيها ولا نزاع ؛ لأنّ البرْد والسكون متلازمان كتلازم الحرّ والحركة . وقرار النعمة ، أي مستقرّها ، يقال : هذا قرار السَّيل ، أي مستقرّه . ومن أمثالهم : « لكلّ سائلة قرار » . ومُنَى الشهوات : ما تتعلّق به الشهوات من الأماني . وأهواء اللذات : ما تهواه النفوس وتستلذّه . والرخاء ، المصدر من قولك : رجل رخيّ البال فهو بيّن الرخاء ، أي واسع الحال . والدَّعة : السكون والطمأنينة ، وأصلها الواو . ومنتهى الطمأنينة . غايتها التي ليس بعدها غاية . والتُّحَف : جمع تحفة ؛ وهي ما يكرَم به الإنسان من البِرِّ واللَّطَف ، ويجوز فتح الحاء .

1.سورة الواقعة ۳۰ ، ۳۱ .

2.سورة التحريم ۸ .

3.سورة الطارق ۱۳ ، ۱۴ .

4.سورة الإسراء ۷۹ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
224

قوله : « ولا واهٍ في عزم » ؛ وَهَى ، أي ضعف ، والواهي : الضعيف . واعيا لوحيك ، أي فاهما، وَعَيْتُ الحديث ، أي فهمتَه وَعَقَلْتَه . ماضياً على نفاذ أمرك ؛ في الكلام حذف تقديره : ماضياً مصرّا على نفاذ أمرك ، كقوله تعالى : « في تسْع آيات إلى فِرْعَوْنَ » 1 ، ولم يقل : « مرسَلاً » ؛ لأنّ الكلام يدلّ بعضُه على بعض .
وقوله : « حتى أوْرَى قبسَ القابس » ؛ يقال : ورى الزَّنْدُ ، يَرِي ؛ أي خرج ناره ، وأوريته أنا . والقَبَس : شعلة من النار ؛ والمراد بالقَبَس هاهنا نور الحق ، والقابس : الذي يطلب النار ، يقال : قَبَسْت منه نارا ، وأقبسني ناراً ؛ أي أعطانيها .
قوله : « وأضاء الطريق للخابط » ، أي جعل الطريق للخابط مضيئة ، والخابط : الذي يسيرُ ليلاً على غيرِ جادّة واضحة .
وهذه الألفاظ كلها استعارات ومجازات .
وخَوْضات الفتن : جمع خَوْضَة ؛ وهي المرّة الواحدة ، من خُضْتُ الماء والوحل ، أخوضهما ، وتقدير الكلام : وهدِيتْ به القلوبُ إلى الأعلام الموضحة بعد أن خَاضَتْ في الفتن أطواراً . والأعلام ، جمع عَلَم ، وهو ما يستدلّ به على الطريق ، كالمنارة ونحوها . والموضِحة : التي توضح للناس الأُمور وتكشفها . ]والنيّرات ] : ذوات النور .
قوله : « فهو أمينك المأمون » أي أمينُك على وحيك ، والمأمون من ألقاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم . وخازن علمِك ، المخزون بالجرِّ صفة « علمِك » والعلم الإلهي المخزون : هو ما أطّلَع اللّه تعالى عليه ورسوله من الأُمور الخفيّة التي لا تتعلّق بالأحكام الشرعية كالملاحم وأحكام الآخرة وغير ذلك ، لأنّ الأُمور الشرعيّة لا يجوزُ أن تكون مخزونة عن المكلّفين .
وقوله : « وشهيدُك يوم الدّين » ، أي شاهدك ، قال سبحانه : « فَكَيْفَ إذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلى هؤُلاء شَهِيدا » 2 . والبعيث : المبعوث « فعيل » بمعنى « مفعول » كقتيل وجريح وصريع . ومَفْسَحا مصدر ، أي وسِّع له مفسحا .
وقوله : « في ظلك » يمكن أن يكون مجازا ، كقولهم : فلان يشمَلُني بظلّه ، أي بإحسانه وبرّه ، ويمكن أن يكون حقيقة ، ويعني به الظلّ الممدود الذي ذكره اللّه تعالى ، فقال : « وَظِلٍّ

1.سورة النمل ۱۲ .

2.سورة النساء ۴۱ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 87755
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي