219
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

كثير ؛ فعبّر عن الاعتقاد العام بالمعرفة الخاصة ؛ وهي نوع تحت جنسه مجازا .
ثم قال : ولا تسرعون في نقض الباطل سرعتَكم في نقض الحقَّ وهدمه .

69

الأصْلُ :

۰.وقال عليه السلام في سحرة اليوم الذي ضرب فيهمَلَكَتْنِي عَيْنِي وَأَنَا جَالِسٌ ، فَسَنَحَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللّهِ ! مَاذَا لَقِيتُ مِنْ أُمَّتِكَ مِنَ الْأَوَدِ وَاللَّدَدِ ؟ فَقَالَ : « ادْعُ عَلَيْهِمْ » فَقُلْتُ : أَبْدَلَنِي اللّهُ بِهِمْ خَيْرا مِنْهُمْ ، وَأَبْدَلَهُمْ بِي شَرّا لَهُمْ مِنِّي .

۰.قال الرضي رحمه الله :يعني بالأَود الاعْوجاج ، وباللَّدَد الخصام . وهذا من أفصح الكلام .

الشّرْحُ :

قوله : « ملكْتني عيني » من فصيح الكلام ، يريد غَلَبنِي النوم . « فسنح لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله » ، يريد مربّى كما تسنَحُ الظِّباء والطير يمرّ بك ، ويعترض لك .
وذا ، هاهنا بمعنى « الذي » كقوله تعالى : « مَاذَا تَرَى »۱ ؛ أي ما الذي ترى ، يقول : قلت له : ما الذي لقيتُ من أُمّتك ؟ وما هاهنا استفهامية كأيّ ، ويقال ذلك فيما يستعظم أمره ، كقوله سبحانه : « الْقَارِعَةُ * مَاالقَارِعَة »۲ . و « شرّا » هاهنا لا يدلّ على أنّ فيه شرّا ، كقوله : « قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أمْ جَنَّةُ الخُلْدِ »۳ لا يدلّ على أنّ في النار خيرا .

1.سورة الصافات ۱۰۲ .

2.سورة القارعة ۱ ، ۲ .

3.سورة الفرقان ۱۵ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
218

الشّرْحُ :

البِكَار : جمع بَكْر ، وهو الفتِيُّ من الإبل . والعَمِدَة : التي قد انشدَخَتْ أسْنِمتها من داخل وظاهرها صحيح ؛ وذلك لكثرة ركوبها . والثياب المتداعية : الأسْمال التي قد أخلَقت ؛ وإنما سمِّيت متداعِية ؛ لأنّ بعضها يتخرّق فيدعو بعضَة إلى مثل حاله . وحِيصت : خيطت ، والحوْص : الخياطة . وتهتّكت : تخرَّقت . وأطلَّ عليكم ، أي أشرف ، وروي : « أظلّ » بالظاء المعجمة ، والمعنى واحد . ومنسر : قطعة من الجيش تمرّ قدام الجيش الكثير ، والأفصح « مِنَسر » بكسر الميم وفتح السين . وانجحر : استتر في بيته ، أجحرتُ الضبّ ، إذا ألجأتَه إلى جُحْره فانجحر . والضبّة : أُنثى الضِّباب ، وإمّا أوقع التشبيه على الضبّة مبالغة في وصفهم بالجبن والفرار ؛ لأنّ الأنثى أجبنُ وأذلّ من الذكر . والوجار : بيت الضبع . والسهم الأفوق : الناصل المكسور الفُوق ، المنزوع النّصل ، والفُوق : موضع الوَتَر من السهم ؛ يقال نَصَل السّهم إذا خرج منه النَّصْل فهو ناصل ؛ وهذا مثل يضرب لمن استنجد بمن لا ينجده . والباحات : جمع باحة ، وهي ساحة الدار . والأوَد : العوج ، أوِد الشيء بكسر الواو بأوَد أوَدا ؛ أي اعوجّ ، وتأوّد ، أي تعوج . وأضرع اللّه خدُودكم : أذلَّ وجوهكم . وأتعسَ جدودكم ، أي أحال حظوظكم وسعودكم وأهلكها فجعلها إدبارا ونحساً . والتَّعَس : الهلاك . وأصله الكبّ ؛ وهو ضد الانتعاش . يقول : كم أداريكم كما يدارِي راكب البعير بعيرَه المنفضخ السنام ، وكما يداري لابس الثوب السَّمِل ثوبَهُ المتداعِي ، الذي كلّما خِيط منه جانب تمزّق جانب .
ثم ذكر خُبْثَهم وذلّهم ، وقلّة انتصار مَنْ ينتصِر بهم ، وأنّهم كثير في الصورة ، قليل في المعنى . ثم قال : إني عالم بما يصلحكم ؛ يقول : إنما يصلحكم في السياسة السيفُ ؛ وَصَدَق ! فإن كثيرا لا يصلُح إلاّ عليه . كما فعل الحجّاج بالجيش الّذي تقاعد بالمهلّب . وأميرُ المؤمنين لم يكُنْ ليستحلَّ من دماء أصحابه ما يستحلّهُ مَنْ يريد الدنيا وسياسة الملك وانتظام الدولة ، قال عليه السلام : « لكني لا أرى إصلاحكم بإفساد نفسي » ، أي بإفساد ديني عند اللّه تعالى .
« لا تعرفون الحق كمعرفتكم الباطل ... » إلى آخر الفصل ؛ فكأنّه قال : لا تعتقدون الصواب والحقّ كما تعتقدون الخطأ والباطل ؛ أي اعتقادكم الحقّ قليل ، واعتقادكم الباطل

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 89443
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي