157
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

وبوّأهم محَلّتهم : أسكنهم مَنْزِلهم ، أي ضربَ النّاس بسيفه على الإسلام حتى أوصلهم إليه ، ومثله « وبلَّغهم منجاتهم » إلاّ أنّ في هذه الفاصلة ذَكَر النّجاة مصرّحا به .
فاستقامتْ قناتُهم : استقاموا على الإسلام ، أي كانت قناتهم معوجّة فاستقامت .
واطمأنت صَفَاتُهم ؛ كانت متقلقلة متزلزلة ، فاطمأنت واستقرّت .
وهذه كلها استعارات .
ثم أقسم أنّه كان في ساقتها حتى تولَّتْ بحذافيرها ؛ الأصل في « ساقتها » أن يكون جمع سائق كحائِض وحاضة ، وحائك وحاكة ، ثم استعملت لفظة « الساقة » للأخير ؛ لأنّ السائق إنما يكون في آخر الرّكْب أو الجيش .
وشبّه عليه السلام أمرَ الجاهلية ؛ إمّا بعَجاجة ثائرة ، أو بكتِيبة مُقْبلة للحرب ، فقال : إنّي طردتُها فولّت بين يديّ ، ولم أزل في ساقتها أنا أطرُدها وهي تنطرد أمامي ؛ حتى تولّتْ بأسْرِها ولم يبق منها شيء ، ما عَجزْت عنها ، ولا جَبُنْت منها .
ثم قال : وإنّ مسيري هذا لمِثْلِها ، فَلأَنقُبَنّ الباطل ؛ كأنّه جعل الباطل كشيء قد اشتمل على الحقّ ، واحتوَى عليه ، وصار الحقُّ في طَيّه ، كالشيء الكامن المستتِر فيه ، فأقسم لينقبنّ ذلك الباطل إلى أن يخرُج الحقُّ من جنبه . وهذا من باب الاستعارة أيضا .
ثم قال : « لقدْ قاتلتُ قريشاً كافرين ، ولأقاتلنَّهُم مفتونين » ؛ لأنّ الباغيَ على الإمام مفتون فاسق .
وهذا الكلام يؤكد قول أصحابنا : إن أصحاب صِفِّين والجمل ليسوا بكفار ؛ خلافا للإمامية ، فإنهم يزعمون أنهم كفار ۱ .

1.اختلف الناس في الحكم على البغاة ، فجمهور أهل الحديث شايعوا معاوية ، وتوقف بعضهم في الحكم عليه . بينما نجد المعتزلة يعلنون براءتهم من معاوية وعمرو بن العاص ومن كان في شقّهما . وصوّر الجاحظ (۲۵۵ ه) في كتابه (إمامة معاوية) معاوية في صورة الخارج عن الإسلام ، المستبدّ على المسلمين . (انظر : الجاحظ : للحاجري ص۱۹۱ وما بعدها) . أما واصل بن عطاء فقد توقف في الحكم على توبة طلحة والزبير ، بينما ذهب عمرو بن عبيد ، والعلاّف إلى تفسيق الفريقين . (انظر : الملل والنحل للشهرستاني ۱ : ۹۲) . وأما الإسكافي فقد خطّأ معاوية ، ووصفه بالبغي والعدوان في مواضع من كتابه (المعيار والموازنة ، ص۱۷ ، ۱۲۴ ، ۱۵۲) . أما الإمامية : فقد ذهب كثير منهم إلى أنهم كفّار . مثل الشيخ المفيد في رسائله ص۷۱ ، والسيد المرتضى في تنزيه الأنبياء ص۲۴۳ . والشيخ الطوسي في المبسوط ۷ : ۲۶۴ ، والخلاف ۵ : ۳۳۵ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
156

33

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلام عند مسيره لقتال أهل البصرةقال عبد اللّه بنُ عباس رضى الله عنه : دخلت على أَمير المؤمنين عليه السلام بذي قار وهو يخصِف نعله ، فقال لي : ما قيمة هذا النعل ؟ فقلت : لا قيمةَ لها ! فقال عليه السلام : واللّه لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ ، إِلاَّ أَنْ أُقِيمَ حَقَّا ، أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلاً ، ثم خرج فخطب الناس فقال :
إِنَّ اللّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّدا صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ يَقْرَأُ كِتَابا وَلاَ يَدَّعِي نُبُوَّةً ، فَسَاقَ النَّاسَ حَتَّى بَوَّأَهُمْ مَحَلَّتَهُمْ ، وَبَلَّغَهُمْ مَنْجَاتَهُمْ ، فَاسْتَقَامَتْ قَنَاتُهُمْ ، وَاطْمَأَنَّتْ صَفَاتُهُمْ .
أَمَا وَاللّهِ إِنْ كُنْتُ لَفِي سَاقَتِهَا حَتَّى وَلَّتْ بِحَذَافِيرِهَا ؛ مَا عَجَزْتُ وَلاَ جَبُنْتُ ، وَإِنَّ مَسِيرِي هـذَا لِمِثْلِهَا ؛ فَلَأَنـْقُبَنَّ الْبَاطِلَ حَتَّى يَخْرُجَ الْحَقُّ مِنْ جَنْبِهِ .
مَا لِي وَلِقُرَيْشٍ ! وَاللّهِ لَقَدْ قَاتَلْتُهُمْ كَافِرِينَ ، وَلَأُقَاتِلَنَّهُمْ مَفْتُونِينَ ، وَإِنِّي لَصَاحِبُهُمْ بِالْأَمْسِ ، كَمَا أَنَا صَاحِبُهُمُ الْيَوْمَ ! وَاللّهِ مَا تَنْقِمُ مِنَّا قُرَيْشٌ إِلاَّ أَنَّ اللّهَ اخْتَارَنَا عَلَيْهِمْ فَأَدْخَلْنَاهُمْ في حَيِّزِنَا ، فَكَانُوا كَمَا قَالَ الْأَوَّلُ :

أَدَمْتَ لَعَمْرِي شُرْبَكَ الَْمحْضَ صَابِحاوَأَكْلَكَ بِالزُّبْدِ الْمُقَشَّرَةَ الْبُجْرَا
وَنَحْنُ وَهَبْنَاكَ الْعَلاَءَ وَلَمْ تَكُنْعَلِيّا ، وَحُطْنَا حَوْلَكَ الْجُرْدَ وَالسُّمْرَا

الشّرْحُ :

ذو قَار : موضع قريبٌ من البَصْرة ، وهو المكان الذي كانت فيه الحربُ بين العرب والفرس ، ونُصِرت العرب على الفرس قبل الإسلام .
ويخصِف نعله ، أي يَخْرزها .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 87889
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي