219
نهج الدعاء

ولا يَبتَهِلُ حَتّى تَجرِيَ الدَّمعَةُ .۱
فمن هنا يُستبعَد أن تكون هذه الهيئات تعبّديّة كما أشار ابن فهد ـ رضوان اللّه عليه ـ إلى ذلك في بداية تبيينها . وفيما يأتي كلامه :
«هذه الهيئات المذكورة ، إمّا لعلّة لا نعلمها ، أو لعلّ المراد ببسط كفّيه في الرغبة ، كونه أقرب إلى حال الراغب في بسط آماله ، وحسن ظنّه بأفضاله ، ورجائه لنواله ، فالراغب يسأل بالآمال ، فيبسط كفّيه لما يقع فيهما من الإحسان .
والمراد في الرهبة بجعل ظهر الكفّين إلى السماء كون العبد يقول بلسان الذلّة والاحتقار لعالم الخفيّات والأسرار : أنا ما اُقدم على بسط كفّي إليك ، وقد جعلت وجههما إلى الأرض ذلاًّ وخجلاً بين يديك .
والمراد في التضرّع بتحريك الأصابع يمينا وشمالاً : أنّه يكون تأسّيا بالثاكل عند المصائب الهائلة؛ فإنّها تقلّب يديها وتنوح بهما إقبالاً وإدبارا ويمينا وشمالاً .
والمراد في التبتّل برفع الأصابع مرّة ووضعها اُخرى بأنّ معنى التبتّل الانقطاع ، فكأنّه يقول بلسان حاله لمحقّق رجائه وآماله : انقطعت إليك وحدك ؛ لما أنت أهله من الإلهيّة ، فيشير بإصبعه وحدها من دون الأصابع على سبيل الوحدانيّة .
والمراد في الابتهال بمدّ يديه تلقاء وجهه إلى القبلة ، أو مدّ يديه وذراعيه إلى السماء ، أو رفع يديه وتجاوزهما رأسه بحسب الروايات ، أنّه نوع من أنواع العبوديّة والاحتقار والذلّة والصغار ، كالغريق الرافع يديه ، الحاسر عن ذراعيه ، المتشبّث بأذيال رحمته ، والمتعلّق بذوائب رأفته التي أنجت الهالكين ، وأغاثت المكروبين ، ووسعت العالمين ، وهذا مقام جليل فلا يدّعيه العبد إلاّ عند العبرة ، وتزاحم الأنين والزفرة ، ووقوفه موقف العبد الذليل ، واشتغاله بخالقه الجليل على طلب الآمال ،

1.راجع : ص ۲۱۴ ح ۶۵۱ .


نهج الدعاء
218

توضيح حول الأحوال المتناسبة للدّعاء

قدّمت الأحاديث الآنفة الذكر للداعي أحوالاً متنوّعة تحمل عناوين التبتّل ، والتعوّذ ، والتضرّع ، والإخلاص ، والابتهال ، والاستكانة ، والرغبة ، والرهبة ، والمسألة ، والبصبصة .
والنقطة اللافتة للنظر في تبيان الأحاديث المذكورة والاستضاءة بها هي أنّ هيئة العبادات البدنيّة في الحقيقة تمثيل وتجسيم الحقائق والحالات الباطنيّة ۱ . وعندما يقرّر الشارع هيئةً خاصّة لعبادة من العبادات تعبّدا كهيئة الطواف والسعي فإنّ على المكلّف أن يوجد تلك الهيئة في الائتمار بأمر اللّه سبحانه ، سواءً كانت الحال متناسبة وإيّاها أو غير متناسبة ، ومن الطبيعيّ أنّ تحقّق الحال المطلوبة مؤثّرة في كمال العبادة لا محالةَ .
أمّا ما ورد في الروايات المذكورة حول الهيئات التي ينبغي أن يكون عليها المرء في التضرّع ، فهي كما يبدو ليست تعبّدية محضة ؛ لأنّ الصورة المثاليّة المنشودة لها إنّما تتجسّد حينما يكون للمتضرّع حال يتساوق معها . وإلاّ فستكون استفادته من تأثير الحال والهيئة التي اُشير إليها على قدر قشرتها وصورتها الظاهريّة . بل حتّى من الممكن أن يكون حال المتضرّع متنافيا مع وضعه الظاهري وهذا أشبه ما يكون باللعب والاستهزاء وهو مذموم قطعا ، ولهذا يقول الإمام الصادق عليه السلام :

1.راجع : ص ۱۰۶ (تحليل حول رفع اليد إلى السماء في الدعاء) .

  • نام منبع :
    نهج الدعاء
    المساعدون :
    افقی، رسول؛ سرخئی، احسان
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1386 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 234281
الصفحه من 787
طباعه  ارسل الي