569
اسباب اختلاف الحديث

الّذي تؤيّده هذه القرينة ، ممّا جعل اللفظ القرآني قابلاً للحمل على وجوه ومعانٍ عديدة ، وهذا أحد الأسباب لاختلاف المفسّرين في التفسير ۱ . وهو من أسرار بلاغة القرآن، ومن طرق جمعه المعاني الكثيرة في ألفاظ قليلة .
وإليك بعض أمثلته :
الأوّل : الأحاديث الكثيرة الواردة في تفسير قوله تعالى : «إِنَّنِي أَنَا اللّه لا إِلهَ إِلاّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي »۲ ، حيث تفسِّرها بأنّه : «إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت اُخرى فإن كنت تعلم أنّك إذا صلّيت التي فاتتك كنت من الاُخرى في وقت فابدأ بالتي فاتتك ؛ فإنّ اللّه عز و جليقول : « أَقِمِ الصَّلَوةَ لِذِكْرِى » وإن كنت تعلم أنّك إذا صلّيت التي فاتتك فاتتك التي بعدها فابدأ بالتي أنت في وقتها فصلِّها ، ثم أقم الاُخرى » ۳ ، وما روته العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله : «من نسي صلاة فليصلّها إذا ذكرها، لا كفّارة لها غير ذلك ، وقرأ : « وَ أَقِمِ الصَّلَوةَ لِذِكْرِى » » ۴ .
توضيحه أنّ اللام في «لِذكري » ظاهرة ـ بقرينة السياق ـ في التعليل، وأنّ المعنى «وأقم الصلاة لأن تذكرني » أو «لأن أذكرك » ، وأمّا كون اللام للتوقيت وأنّ المعنى : «وأقم الصلاة واقضها في وقت ذكرتني وذكرت أنّها فاتتك ولم تصلّها بعدُ» فبعيد عن اُفق ظهور الآية وسياقها وكونها خطابا لموسى عليه السلام في بداية بعثته .
كما أنّ اعتبار اللام لمطلق التوقيت وأنّ المعنى «وأقم الصلاة لوقت ذكري فصلّها في ذلك الوقت الّذي ذكرت » ليشمل بإطلاقه الأداء والقضاء فلا يقلّ عن

1.لايخفى أنّ اختلاف المفسّرين غير منحصر في هذا الوجه ؛ بل السهو أو اختلال الطريقة وغيرهما أيضا من علل اختلافهم .

2.طه : ۱۴ .

3.منها صحيحة زرارة في الكافي: ج ۳ ص ۲۹۳ ح ۴، تهذيب الأحكام: ج۲ ص۲۶۸ ح۱۰۷۰ ، نور الثقلين: ج۳ ص۳۷۵ ح۵۰ .

4.صحيح البخاري : ج۱ ص۲۱۵ ح۵۷۲ ، وحكاه الطبرسي في مجمع البيان : ج۷ ص۱۱ ذيل الآية عن صحيح مسلم .


اسباب اختلاف الحديث
568

السبب الثامن والسبعون : التفسير بالمعاني المتعدّدة

من جملة ما يوجب الاختلاف الصوري بين الأحاديث ورود الأحاديث المتعدّدة المفسِّرة لآية واحدة بأكثر من معنى . ولا يخفى أنّ استعمال لفظ في أكثر من معنى وتفسير آية بمعانٍ متعدّدة يعمّ المعنى الظاهر والباطن، ولا يختصّ بالمعاني الباطنة .
ولا ريب في المعنى استعمال اللفظ الواحد في أكثر من معنى واحد في القرآن الكريم ـ بل وفي الأحاديث أيضاً ـ ، كما ستوافيك بعض أمثلته .
سواء أقلنا في الاُصول بجواز هذا النوع من الاستعمال ـ على ما هو مقتضى التحقيق ومقال المحقّقين من المتأخّرين والمعاصرين ـ أم لا . وذلك أنّ المانعين إنّما يمنعون من الاستعمال المذكور على وجه الحقيقة وبانحفاظ قيد الوحدة ، دون التوسّع والمجاز . ولا يهمّنا هنا الإصرار على إثبات كون هذا الاستعمال حقيقة ؛ فإنّ محلّ البحث عنه هو علم الاُصول .
وعلى أيّ حال فإذا ورد في الأحاديث ما يذكر لآية واحدة أكثر من معنى فلا يخلو من وجوه :
أ ـ أن يكون كلّ واحد منها حقيقة .
ب ـ أن يكون بعضها حقيقة وبعضها مجازا .
ج ـ أن يكون الكلّ مربوطا بظهر القرآن وتنزيله .
د ـ أن يكون بعضها لبيان ظهره وبعضها الآخر لبيان بطنه وتأويله .
تنبيه : من أساليب البيان المستعملة في القرآن في البيان وصياغة الكلام احتفاف لفظ واحد بقرائن متعدّدة مختلفة ـ متّصلة ومنفصلة ، يدل كلّ منها على أن المراد هو المعنى

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 217742
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي