السبب التاسع والستّون : اختلاف الاصطلاحات
ربما يكون الاختلاف بين العلماء ـ رواة وغيرهم ـ بسبب الاختلاف في الاصطلاح فيستعمل بعضهم اصطلاحا ويقصد به معنى، مع استعمال الغير اصطلاحا آخر له، بل قد يكون الاصطلاح الثاني مضادّا للأول بحسب ظاهره، وربما يستعمل اصطلاحا مضادّا له حسب الظاهر مع أنّه لا يريد به إلاّ نفس ذاك المعنى الّذي المقصود من المصطلح الأوّل، وما هو إلاّ من أجل اختلافهم في معنى المصطلحين .
من قبيل الاختلاف في عدد من السور المكّية والمدنية ، الناشئ من الاختلاف في المعنى المراد من هذين المصطلحين ؛ لاختلافهم في ملاك إطلاق المكّية والمدنية على وجوه :
فمنهم من جعل الملاك زمانَ هجرة النبيّ صلى الله عليه و آله ووصوله إلى المدينة المنوّرة ؛ فما نزل قبل هذا الزمان فهو مكّيّ، وما نزل بعده فهو مدنيّ، حتى ولو نزل في جوف المسجد الحرام .
ومنهم من اعتبر ذلك بالمكان ؛ فما نزل بمكّة وحواليها فهو مكّي، وما نزل بالمدينة وحواليها فهو مدنيّ، سواء كان زمن نزولهما قبل هجرته صلى الله عليه و آله أم بعده .
ومنهم من اعتبر ذلك بالمخاطبين ؛ فما كان من القرآن خطابا لأهل مكّة فهو مكّيّ وما كان خطابا لأهل المدينة فهو مدني . وقد يقال بأنّ هذا الاصطلاح في أصله مأخوذ من كلام ابن مسعود : «كلّ شيء نزل فيه « يَـأَيُّهَا النَّاسُ » فهو بمكّة ، وكلّ شيء نزل فيه « يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ » فهو بالمدينة » ، وذلك لأنّ الغالب على أهل مكّة الكفر، والغالب على أهل المدينة الإيمان» ۱ .