453
اسباب اختلاف الحديث

وفتاوى علمائها . ـ إلى أن قال : ـ وهكذا نستطيع أن نفسِّر ظاهرة التقيّة في أحاديث أئمّتنا عليهم السلام بما يتّضح معه السبب لشيوعها بين الروايات الصادرة عنهم عليهم السلام ، مع أنّ أكثرها تتكفّل مسائل فقهيّة بعيدة عن شؤون الخلافة الإسلامية وما يرتبط بالخلفاء آنذاك ، وقد بلغ الأمر بالأئمّة عليهم السلام في التقيّة ـ لا من الحكّام فحسب ، بل من الاُمّة بصورة آكد ـ أن جعلوا مخالفة العامّة مقياسا لترجيح إحدى الروايتين المتعارضتين على الاُخرى» ۱ .
وممّا يلزم الالتفات إليه أنّ قدماء أصحابنا ـ الّذين كانوا أعرف بمواطن التقيّة ـ قد قاموا بحذف أكثر الأحاديث الصادرة تقيّة ، واهتمّوا بنقل الروايات الّتي كانوا يفتون بمضامينها ، غير أنّ الّذي بقي منها ليس بقليل .

المثال الأوّل : إرث الرجال والنساء بالولاء

۴۷۷.۱ . الشيخ الطوسي بإسناده عن محمّد بن عمر، أنّه كتب إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام ،۲يسأله عن رجل مات وكان مولى لرجل، وقد مات مولاه قبله، وللمولى ابن وبنات ، فسألته۳عن ميراث المولى ، فقال :1 . الشيخ الطوسي بإسناده عن محمّد بن عمر، أنّه كتب إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام ، ۴ يسأله عن رجل مات وكان مولى لرجل، وقد مات مولاه قبله، وللمولى ابن وبنات ، فسألته ۵ عن ميراث المولى ، فقال : هو للرجال دون النساء . ۶

قال المحدّث الشيخ الحرّ العاملي : حمله الشيخ على التقيّة لما مرّ ؛ ويحتمل الحمل على الإنكار .

1.بحوث في علم الاُصول : ج۷ ص۳۴ ـ ۳۶ .

2.كذا في وسائل الشيعة ، و أمّا ما عندنا من نسختي التهذيب ففيه : «إلى أبي جعفر عليه السلام » والّذي أثبتناه طبقا لوسائل الشيعة ، وهو الصحيح بقرينة طبقة الراوي وكون محمّد بن عمر بن يزيد من أصحاب الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر ـ كما هو ظاهر عبارة النجاشيحيث قال : محمّد بن عمر بن يزيد بيّاع السابري ، روى عن أبي الحسن عليه السلام (رجال النجاشي : ص۲۵۷ ) وإطلاقه منصرف إلى أبي الحسن الأوّل عليه السلام ، ومن أصحاب الإمام الرضا عليه السلام لعدّ الشيخ إيّاه في رجاله من أصحابه عليه السلام (راجع رجال الطوسي : ص۳۹۱ ) .

3.كما في المصدر ، وفي وسائل الشيعة : «فسأله» وهو الأوفق بالسياق .

4.تهذيب الأحكام : ج۹ ص۳۹۷ ح۱۴۱۹ ، وسائل الشيعة : ج۲۶ ص۲۳۹ ح۳۲۹۱۷ .


اسباب اختلاف الحديث
452

السبب الرابع والستّون : التقيّة

هي من أهمّ ما يوجب التنافي المدلولي بين الأحاديث ؛ لكثرة صدور الأحاديث الناظرة إلى الأحكام المبنيّة عليها .
والتقيّة في اللغة وإن كانت بمعنى الاتّقاء والحذر للخوف ، إلاّ أنّ المراد بها اصطلاحا في علم الكلام والفقه والحديث ما يعمّ حال الاتّقاء عن خوف وابتغاء مصلحة ملزمة . قال الشهيد الصدر قدس سره : «التقيّة أيضا كان لها دور مهمّ في نشوء التعارض بين الروايات ، فلقد عاش أكثر الأئمّة المعصومين عليهم السلام ظروفا عصيبة فرضت عليهم التقيّة في القول أو السلوك . . . التقيّة الّتي كان يعملها الأئمّة عليهم السلام لم تكن تقيّة من حكّام بني اُميّة وبني العبّاس فحسب ، بل كانوا يواجهون ظروفا اضطرّتهم إلى أن يتّقوا أيضا من المسلمين والرأي العامّ عندهم ، فلا يصدر منهم ما يتحدّى معتقدات العامّة، ويخالف مرتكزاتهم وموروثاتهم الدينية الّتي تدخّلت في نشأتها عوامل غير موضوعية كثيرة، في ظلّ الأوضاع الّتي حكمت المسلمين في تلك الفترة من التاريخ .
فإنّ المتتبّع لحياة الأئمّة عليهم السلام يلاحظ أنّهم كانوا حريصين كلّ الحرص على كسب الثقة والاعتراف لهم بالمكانة العلمية والدينية المرموقة من مختلف الفئات والمذاهب الّتي نشأت داخل الاُمّة الإسلامية ، وإن كلّفهم ذلك بعض التنازلات والتحفّظات ؛ لكي يستطيعوا بذلك أداء دورهم الصحيح ، وتمثيل ثقلهم التشريعي والمرجعي الّذي تركه لهم النبيّ صلى الله عليه و آله في الاُمّة في الوقت الّذي يحفظون به أيضا على حياتهم وحياة أصحابهم المخلصين ، وهذا هو السبب فيما يلاحظ في أحاديثهم من الاعتراف في كثير من الأحيان بالمذاهب الاُخرى

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 217235
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي