419
اسباب اختلاف الحديث

هو السخرية والتنقيص الملازم للغضب ، مع أنّ القصد في التمليح المزاح والإتيان بالملاحة والظرافة ، لكن الحاصل في الجبان إنّما هو ضدّ الشجاعة، فنزلنا تضادهما منزلة التناسب، وجعلنا الجبن بمنزلة الشجاعة على سبيل التمليح والهزء » .
فما قد يظهر من كلمات بعض العلماء من تسويتهما في الاصطلاح ، ۱ لا يمكن الموافقة عليه ؛ لانّ التفريق أنسب بملامح علم البديع .
قال التفتازاني ـ في بيان وجوه التشبيه بين المشبَّه والمشبَّه به ـ ما هذا ملخَّصه :
«اعلم أنّه قد ينتزع الشبَه من نفس التضادّ؛ لاشتراك الضدّين في التضادّ ؛ لكون كلّ منهما متضادّا للآخر ، ثمّ يُنزَّل التضادّ منزلة التناسب بواسطة تمليحٍ ـ أي إتيان بما فيه ملاحة وظرافة ، يقال: ملّح الشاعر ؛ إذا أتى بشيء مليح ـ أو تهكّمٍ ؛ أي سخريّة واستهزاء ، فيقال للجبان : ما أشبهه بالأسد ، وللبخيل: إنّه هو حاتِم . كلّ من المثالين صالح للتمليح والتهكّم ، وإنّما يفرّق بينهما بحسب المقام ، فإن كان القصد إلى ملاحة وظرافة دون استهزاء وسخريّة بأحد فتمليح ، وإلاّ فتهكّم » ۲ .

المثال الأوّل : معنى القضاء والقدر

۴۴۰.۱ . العيّاشي، عن الحسن بن محمّد الجمال، عن بعض أصحابنا، قال:بعث عبد الملك بن مروان إلى عامل المدينة أن وجِّه إليّ محمّد بن عليّ بن الحسين ولا تهيِّجه ولا تروِّعه ، واقضِ له حوائجه . وقد كان ورد على عبد الملك رجل من القدرية فحضر جميع من كان بالشام فأعياهم جميعا ، فقال : ما لهذا إلاّ محمّد بن عليّ ، فكتب إلى صاحب المدينة أن يحمل محمّد بن علي إليه ، فأتاه صاحب المدينة بكتابه فقال له أبو جعفر عليه السلام : إنّي شيخ كبير

1.قال الخليل: الأرملة: الّتي مات زوجها، ولا يقال : شيخ أرمل ، إلاّ أن يشاء شاعر في تلميح كلامه ، كقول جرير : هذي الأرامل قد قضيت حاجتها فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر يعني بالأرمل نفسَه . (ترتيب كتاب العين : ص۳۲۸ «رمل » ) . وقال الفيروزآبادي : «قوله تعالى : « فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدِ » إنّما جاء على طريق التهكّم والتمليح بجعل الحبل كالعقد (تاج العروس : ج۲ ص۳۳۰ «جيد» ) .

2.المختصر في شرح تلخيص المفتاح : ج۲ ص۳۱ ـ ۳۳ .


اسباب اختلاف الحديث
418

السبب التاسع والخمسون : التهكّم والتمليح

من جملة المحسّنات البديعية الّتي قد توجب الاختلاف الصوري التهكّم ، وهو تفعّل من قولهم : «تهكّمت البئرُ ؛ إذا تساقطت جوانبها » ، وهو كناية عن شدّة الغضب ؛ لأنَّ الإنسان إذا اشتدّ غضبه يخرج عن حدّ الاستقامة واعتدال الأحوال .
وهو في اصطلاح علماء البيان عبارة عن إخراج الكلام على ضدّ مقتضى الحال ؛ استهزاء بالمخاطب ۱ . مثل ما يحكيه الذكر الحكيم من قول ملائكة العذاب لأهل الجحيم الّذين يصبّ فوق رؤوسهم من الحميم : « ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ »۲ ، تهكّما واستهزاءً بمن كان يستهزئ بالمؤمنين، أو يتّخذ آيات اللّه هزوا . وكقول الكافرين من قوم شعيب له عليه السلام : « إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ »۳ . وكقوله تعالى للمنافقين القاعدين عن القتال : «فَإِنْ رَجَعَكَ اللّه إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَ لَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ»۴ ، حيث إنّ الأمر في شيء من الموارد المذكورة لم يُرَد به البعث حقيقة .
ويقرب من التهكّم التمليح ، لاشتراكهما في الاشتمال على الهزء ، فإنّ التهكّم مبنيّ على السخريّة، والتمليح مبنيّ على الإتيان بالملاحة . وبعبارة اُخرى إنّ أحدهما قريب من الآخر؛ لاشتراكهما في حمل المضادّ على المضادّ له ، إلاّ أنّ الفرق بينهما أنّ القصد في التهكّم

1.راجع الطراز : ج۳ ص۱۶۱ .

2.الدخان: ۴۹ .

3.هود : ۸۷ .

4.التوبة : ۸۳ .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 218199
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي