269
اسباب اختلاف الحديث

وبعبارة اُخرى: البداء أن ينطبع أوّلاً في كتاب البداء ـ أي لوح المحو والإثبات أمر كلّي أو جزئي مقدّر بوجود بعض أسباب تكوّنه وأجزاءِ علّته التامّة ، فيصير من الاُمور المشروطة الموقوفة عند اللّه تعالى ـ على حدّ تعبير الأحاديث ـ فإن قدّر اللّه تعالى تلاحق سائر أجزاء علّته وأسباب تكوّنه تحقّقت ولا بداء ، وإلاّ ـ بأن يمنع اللّه سبحانه عن تحقّقه بمنع شروطه المقدّرة الانتفاء ـ محاه عن لوح البداء ، وأثبت فيه ما كان في علمه السابق المخفيّ عن هذا اللوح .
توضيح ذلك : أنَّ الإمامين الصادق والهادي عليهماالسلامكانا يعيشان في أصعب الأزمنة وأشدّها، فكانا يخافان من الحكّام على الإمامين الكاظم والعسكري عليهماالسلام، فعلى الرغم من علمهما بأنّ إسماعيل أو محمّد سيدركه الموت أثناء حياتهما كانا يخفيان هذه القضيّة على كثير من شيعتهم فضلاً عن غيرهم .
وكان الشيعة يطبقون ما تلقّوه من أئمّتهم عليهم السلام ـ كقاعدةً عامّة ـ وهي أنّ «اللّه يجعل الإمامة في الأكبر من ولد الإمام بعد قضاء نحبه ۱ ما لم تكن فيه عاهة» ـ على إسماعيل ومحمّد عليهماالسلام ، غافلينَ عن رحيلهما وعن صفحة الدنيا ، وعن صحيفة البداء . والأئمّة عليهم السلام أيضا كثيرا ما لم ينكروا ذلك ـ لأجل ما فيه من مصلحة التقيّة وصيانة الخلفين عليهماالسلام ـ مع علمهم بأنَّ هذا لا يتمّ بموت الأكبرَين، فتنطبق القاعدة المذكورة على الإمامين المقدّرين بقضاء سابق محتوم . نعم لولا وفاتهما عليهماالسلام لصارا إمامين بعد أبويهما عليهماالسلام . وهذا نظير قوله تعالى : « وَ لَوْلا أَنْ كَتَبَ اللّه عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَ لَهُمْ فِي الاْخِرَةِ عَذابُ النّارِ »۲ حيث يدلّ على أنّ اللّه قد كتب عليهم الجلاء وإلاّ لعذّبهم في الدنيا عذاب استيصال، وبعبارة اُخرى : شرط هذا اللون من العذاب عدم كتابة الجلاء عليهم، ولكن لم يتحقّق الشرط فتبعه المشروط .
قال السيّد المحقّق الخوئي قدس سره : «هذه الكبرى الكلية وهي أنّ الإمامة تنتقل إلى الولد

1.راجع بحار الأنوار : ج۴۷ ص۲۶۱ ح۲۹ عن الكليني و ص۲۴۱ ح۲ عن المفيد .

2.الحشر : ۳ .


اسباب اختلاف الحديث
268

مورد الاختلاف :

ظهر وجهه من خلال ما ذكرناه في ذيل طرفي الاختلاف .

علاج الاختلاف :

ظهر من خلال ما رويناه في ذيل الحديثين المختلفين وجه علاج الاختلاف؛ بحمل الثانية على البداء .
وأشرنا في أوّل البحث إلى كون البداء انكشاف علمه تعالى وانطباع هذا الظاهر من جديد في لوح المحو والإثبات ، وأنّ هذا الانكشاف والانطباع على قسمين :
أ ـ ما لم يُطلِع الأنبياء والأولياء عليه وأنّه سيبدو له تعالى .
ب ـ ما يُعلمهم به أو بعضهم ويطلعهم على المكتوب في اللوح المحفوظ الّذي سيبدو له تعالى ويكتبه في لوح البداء .
إذا عرفت ذلك فاعلم أنَّ إمامة الإمامين الكاظم والعسكري عليهماالسلام وإن كان من القضاء المبرم المحتوم من اللّه تعالى من قبلُ ، والمعلوم للرسول صلى الله عليه و آله وعترته بل لخواصّهم، إلاّ أنّ بعض مقتضيات إخفائها ـ كشدّة التقيّة ـ أوجبت انطباعَ إمامة إسماعيل وأبي جعفر عليهماالسلامـ كقضيّة مشروطة ـ في بعض ألواح العلم الإلهي ممّا يحتمل المحو والإثبات ، بحيث لو كانا حيّين بعد أبويهما لكانا إمامين ، فعندما ينتفي الشرط المزبور ـ بتعلّق مشيئته تعالى على موتهما في حياة أبويهما ـ ينتقل العلم المفصَّل المسطور في اللوح المحفوظ وينطبع في هذا اللوح . ومن خواصّ هذا اللوح القابل للمحو والإثبات قرب نزولِ ما فيه إلى الأرض وتحقّقِه .
ولا يخفى أنّ انتفاء الشرط المذكور في موارد أيضا معلوم للّه سبحانه، مكتوب في اللوح المحفوظ ، بل ربما يكون معلوما للنبيّ والوليّ؛ بإخبار الملك المطّلع عليه مثلاً .
ثمّ إنّ ألواح علمه تعالى ليست إلاّ بعض ملائكته، سواء في ذلك اللوح المحفوظ ولوح المحو والإثبات ؛ وما في هذه الألواح من الإجمال والتفصيل هو بسبب تفاضل مقامات هذه الملائكة والملائكة المأذونين بالاطّلاع على اللوح المذكور انطلاقا إلى ما وكِّلوا عليه من الاُمور .

  • نام منبع :
    اسباب اختلاف الحديث
    المساعدون :
    المسعودي، عبدالهادي؛ رحمان ستايش، محمد كاظم
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 215034
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي