فلمّا قدم عليه الكتاب قرأه على النَّاس ، وأمرهم بالشُّخوص مع الأحنف بن قيس ، فشخص معه منهم ألف وخمسمئة رجُلٍ ، فاستقلَّهُم عَبْدُ اللّه بنُ عبَّاس ، فقام في النَّاس ، فحمد اللّه وأثْنى عليه ، ثُمَّ قال :
أمَّا بعدُ ؛ يا أهل البصرة ، فإنَّه جاءني أمر أمير المؤمنين ، يأمرني بإشخاصكم ، فأمرتكم بالنَّفير إليه مع الأحنف بن قيس ، ولم يَشخَص معه منكم إلاَّ ألف وخمسمئة ، وأنتم ستون ألف سوى أبنائكم وعبدانكم ومواليكم ! ألا انفِروا مع جارية بن قُدامَة السعدي ، ولا يجعلَنَّ رجل على نفسه سبيلاً ، فإنّي مُوقع بكلّ من وجدته متخلِّفا عن مكتبه ، عاصيا لإمامه ، وقد أمرتُ أبا الأسْوَد الدُّؤلي بِحَشْرِكم ، فلا يَلُمْ رجُلٌ جَعلَ السبيلَ علَى نفسِهِ إلاَّ نفسَهُ .
فخرج جارية فعسكر ، وخرج أبو الأسْوَد فحشر النَّاس ، فاجتمع إلى جارية ألف وسبعمئة ، ثُمَّ أقبل حَتَّى وافاه عليٌّ بالنُّخيلة . ۱
147
كتابه عليه السلام إلى الخوارج
۰.من كتابه عليه السلام إلى الخوارج في قضيَّة قتلهم عبد اللّه بن خَبَّاب بن الأرَتّ .« بسم اللّه الرحمن الرحيم
مِن عبد اللّه ِ وابْنِ عَبْدِهِ ، أميرِ المُؤْمِنينَ وأجِيرِ المُسْلِمِينَ أخِي رَسُول اللّه صلى الله عليه و آله وابْنِ عمِّه ، إلى عَبدِ اللّه ِ بنِ وَهَبٍ وحَرْقُوص بن زُهَيْر المارِقَيْنِ من دِين الإسلام .
أمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ بَلَغَنِي خُرُوجُكُما واجْتِماعُكما هُنالِك بغَيْر حَقٍّ كانَ لَكُما
ولأبَوَيْكُما من قَبْلِكما ، وجَمْعُكُما لهذه الجُمُوع ؛ الَّذين لَمْ يَتفَقَّهوا في الدِّين ، ولَم يعطوا في اللّه اليَقين .
والْزَما الحقَّ فإنَّ الحقَّ يُلْزِمُكما مَنْزِلَةَ الحقِّ ثمّ لا يُقضى إلاَّ بالحقِّ ، ولا تَزِيغا فَيَزيغُ مَن مَعَكما من أخباركما فَيكُونَ مَثَلُكما ومَثَلُهم كَمَثَل غَنَمٍ نَفَشَتْ في أرض ذَات عُشْبٍ ، فَرَعَتْ وسَمَنَتْ ، وإنَّما حَتْفُها في سِمْنِها ، وقَد عَلمْنا بأنَّ الدُّنيا كَعُروَتَين سُفلاً وعُلوا ، فمَن تَعَلَّق بالعُلو نَجا ، ومَن اسْتَمْسك بالسُّفل هَلَك ، والسَّعيد مَن سَعَدَتْ به رَعِيَّتُه ، والشَّقيُّ مَن شَقِيَت به رَعِيَّتُه ، وخَيْرُ النَّاس خَيْرُهم لِنَفسه ، وشَرُّهم شَرُّهم لِنَفسه ، ولَيْس بيْنَ اللّه وبينَ أحدٍ قَرابَةٌ ، و « كُلُّ نَفْسٍِ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ »۲ ، والكَلامُ كَثِيرٌ ، وإنَّما نُرِيدُ منْه اليَسِيرَ ، فمَن لَم يَنْتَفِعْ باليَسيرِ ضَرَّهُ الكَثِيرُ ، وقَد جَعَلْتُموني في حالَةِ مَن ضَلَّ وغَوَى وعن طَريقِ الحَقِّ هَوَى ، خَرَجْتُم علَيَّ مخالِفين بَعْدَ أنْ بايَعْتُموني طائِعينَ غَيْرَ مُكْرَهين ، فَنَقَضْتُم عهُودَكم ، ونَكَثْتُم أيْمانَكم ، ثمَّ لَم يَكْفِكم ما أنْتُم فيه مِن العَمى وشَقِّ العَصا ، حتَّى وَثَبْتُم على عَبْدِ اللّه ِ بنِ خَبَّابِ فَقَتَلْتُمُوه وقَتَلْتُم أهْلَه ووَلَدَه ، بغَيْر تِرَةٍ كانَتْ منه إليْكم ولا دخل ،( ذَحْل ) ۳ ، وهو ابنُ صاحِبِ رسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، ولَن يُغْنِي القُعُودُ عَنِ الطَّلَبِ بِدَمِهِ ، فادفعوا إلَيْنا مَن قَتَلَهُ وقَتَلَ أهْلَهُ ووَلَدَه وشَرِك في دمائِهِم ، ولا تَقْتُلُوا أنْفُسَكم علَى عَمىً وجَهْلٍ ، فتَكُونوا حَدِيثا لمَنْ بَعْدَكم .
وباللّه أُقْسِم قَسَما صادِقا ، لئِن لَم تَدْفَعُوا إلَيْنا قَاتِلَ صاحِبِنا عَبْدِ اللّه ِ بنِ خَبَّاب لم أنْصَرِفْ عَنْكُم دُونَ أنْ أقْضِي فِيْكم إرَبِي ، وباللّه أسْتَعينُ وعلَيْهِ أتَوَكَّلُ والسَّلامُ
والرَّحمةُ مِنَ الوَاحِدِ الخَلاَّق عَلى النَّبيِّينَ ، وعَلى عِبادِهِ الصَّالحِينَ .