۰.۳ . روى أبو الأسْوَد قال : دخلت على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، فوجدت في يده رقعة ، فقلت : ما هذه يا أمير المؤمنين ؟فقال : « إنِّي تأمّلتُ كَلامَ العَرَبِ ، فَوجَدتُهُ قَد فسَدَ بِمُخالَطَةِ هذهِ الحَمراءِ ، يَعنِي الأعاجِمَ ، فأرَدتُ أن أصنَعَ شَيئا يَرجِعُون إليهِ ، ويَعتَمِدونَ عَليهِ » ، ثُمَّ ألقى إليَّ الرَّقعة ، وفيها مكتوب :
« الكلامُ كُلُّهُ : اسمٌ ، وفِعلٌ ، وحَرفٌ ، فالاسمُ : ما أنبأَ عَنِ المُسمَّى ، والفِعلُ : ما أنبأ بِهِ ، والحَرفُ : ما أفادَ مَعنى » .
وقال لي : « انحُ هذا النَّحوَ ، وأضعِفْ ما وَقَعَ إليْكَ ، واعلم يا أبا الأسْوَد ، إنَّ الأسماء ثلاثةٌ : ظاهرٌ ، ومُضْمرٌ ، واسم لا ظاهر ولا مضمر ، وإنَّما يتفاضل النَّاس يا أبا الأسْوَد ، فيما ليس بظاهر ولا مضمر ، وأراد بذلِكَ الاسمَ المُبهَم » .
قال : ثُمَّ وضعت بابي العطف والنَّعت ، ثُمَّ بابي التَّعجّب والاستفهام ، إلى أن وصلت إلى باب إنَّ وأخواتها ، ما خلا لكنَّ ، فلمَّا عرضتها على عليّ عليه السلام ، أمرني بضمّ لكنَّ إليها ، وكنت كلَّما وضعت بابا من أبواب النَّحو عرضتها عليه رضى الله عنه ، إلى أن حصلت ما فيهِ الكفاية .
قال عليه السلام : « ما أحسن هذا النَّحوَ الَّذي نَحَوتَ » فَلذلِكَ سُمّيَ نَحْوَا » . ۱
[ ويعلم من الأخبار المنقولة أنَّ أبا الأسْوَد أخذ بعضه عن أمير المؤمنين عليه السلام مكتوبا ، وبعضه شفاها ، وألحق به من عند نفسه أشياء ، ثُمَّ قرأه على أمير المؤمنين عليه السلام ، فقرّره ، وصحّحه ، إلى أن حصلت ما به الكفاية ، وكان أبو الأسْوَد لا يخرجه بل يخفيه ويسرّه ويضن به حَتَّى أمره زياد . ۲
بل إليه تنتهي العلوم الإسلاميَّة والكمالات الإنسانيَّة ، وقد أقرّ به ابن أبي الحديد ] . ۳
قال ابن أبي الحديد : وما أقولُ في رجل أقَرّ له أعداؤه وخصومه بالفضل ، ولم يمكنهم جَحْدُ مناقبهِ ، ولا كتمانُ فضائله . . . وما أقول في رجل تُعْزَى إليه كلُّ فضيلة ، وتنتهي إليه كل فِرْقة ، وتتجاذبه كلّ طائفة ، فهو رئيس الفضائل ويَنبوعها ، وأبو عُذْرِها ، وسابق مضمارها ، ومجلِّي حَلْبتها ، كلُّ مَن بزغ فيها بعده فمنه أخذ ، وله اقتفى ، وعلى مثاله احتذى .
وقد عرفتَ أنَّ أشرف العلوم هو العلم الإلهيّ ، لأنَّ شرف العلم بشرف المعلوم ، ومعلومه أشرف الموجودات ، فكان هو أشرفَ العلوم ، ومن كلامه عليه السلام اقتبس ، وعنه نقل ، وإليه انتهى ، ومنه ابتدأ ، فإنَّ المعتزلة ـ الَّذِين هم أهلُ التُّوحيد والعدل ، وأرباب النَّظر ، ومنهم تعلَّم النَّاس هذا الفنّ ـ تلامذتُه وأصحابه ؛ ۴ ] ثُمَّ ذكر إسناد العلوم الإسلاميَّة إليه مفصَّلاً ] .
1.نزهة الألبّاء : ص۳ وراجع : غرر الخصائص .
2.راجع : الشيعة وفنون الإسلام : ص۵۳ ـ ۱۶۴ ؛ الإصابة : ج۲ ص۲۴۲ .
3.شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۱ ص۱۶ ـ ۲۰ وج۱۶ ص۱۴۶ . وراجع : مطالب السؤول : ص ۲۸ ، ملحقات الإحقاق : ج۸ ص۱ ـ ۶۶ والشيعة وفنون الإسلام : ص ۵۳ ـ ۱۶۴ .
4.شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۱ ص۱۶ ـ ۲۰ .