273
مكاتيب الأئمّة ج1

فكتب معاوية :
مِن معاويَة بن أبي سُفْيَان إلى عَليّ بن أبِي طالب ، قد انْتَهى إليَّ كتابك ، فأكثرتَ فيه ذكْر إبراهيم وإسماعيل وآدم ونوح ٍ والنَّبيِّين ، وذكر محمَّد صلى الله عليه و آله وقرابتكم منه ومنزلتكم وحقَّكَ ، ولَمْ تَرض بقرابَتِكَ من محمَّد ٍ صلى الله عليه و آله حتَّى انْتَسبت إلى جَميع النَّبيِّين .
أ لا وإنَّما كان محمَّد ٌ رسولاً من الرُّسُلِ إلى النَّاسِ كافَّةً ، فبلَّغ رِسالاتِ ربّهِ ، لا يَملِكُ شَيئا غَيْرَهُ .
أ لا وإنَّ اللّه ذَكر قَوْما جَعلوا بَيْنه وبَين الجَنَّة نَسبا ، وقد خفت عليك أنْ تضارعهم .
أ لا وإنَّ اللّه أنزَل في كتابه أنَّه « لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَ لَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِى الْمُلْكِ وَ لَمْ يَكُن لَّهُ وَلِىٌّ مِّنَ الذُّلِّ »۱ ، فأخْبرنا ما فَضل قرابتك ؟ وما فَضل حَقِّكَ ؟ وأيْن
وجدتَ اسْمك في كتاب اللّه ، ومُلْكَكَ وإمامَتَكَ وفَضلَكَ ؟
أ لا وإنَّما نقتدي بمَن كان قبْلنا من الأئمَّة والخُلفاء ، الَّذين اقْتديت بهم ، فكنْت كمَن اخْتار ورَضي ، ولَسْنا منْكم .
قُتل خَلِيفتنا أميْر المونين عثْمان بن عفَّان ، وقال اللّه ُ : « وَ مَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا »۲ ، فَنحنُ أوْلى بعثمان وذُرِّيَّته ، وأنتم أخذْتموه على رضىً من أنفسكم ، جعلتموه خليفة وسمعتم له وأطعتم .
فأجابه عليّ عليه السلام :
« أمَّا الَّذِي عَيَّرتَنِي بِه يا مُعاويَة ُ مِن كِتابي وكَثْرَة ذِكْرِ آبائِي إبراهيم َ وإسماعِيل َ والنَّبيِّين َ ، فإنَّه مَن أحَبَّ آباءَه أكْثَرَ ذِكْرَهُم ، فَذِكْرُهم حُبُّ اللّه ِ ورَسُولِهِ ، وأنَا أُعَيِّرُك بِبُغْضِهم ، فإنَّ بُغْضَهم بُغْضُ اللّه ِ ورَسُولِهِ ، وأُعَيِّرُك بِحُبِّك آباءَكَ ، وكَثْرَةِ ذِكْرِهِم ، فإنَّ حُبَّهُم كُفْرٌ .
وأمَّا الَّذِي أنْكَرتَ مِن نَسَبِي مِن إبْراهيم َ وإسْماعيل َ ، وقَرابَتي مِن مُحمَّد ٍ صلى الله عليه و آله ، وفَضْلِي وحَقِّي ومُلْكِي وإمامَتي ، فإنَّك لم تَزَل منْكِرا لذلِكَ ، لم يُؤمِن به قَلْبُك ، ألا وإنَّما نحن أهلَ البَيْت كذلِكَ ، لا يُحِبُّنا كافِرٌ ولا يُبْغَضُنا مؤْمِنٌ .
والَّذِي أنْكَرْتَ من قول اللّه عز و جل :« فَقَدْ ءَاتَيْنَآ ءَالَ إِبْرَ هِيمَ الْكِتَـبَ وَالْحِكْمَة َ وَءَاتَيْنَـهُم مُّلْكًا عَظِيمًا »۳، فأنْكَرْتَ أنْ يكونَ فِيْنا فَقَدْ قال اللّه :« النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَ أَزْوَ جُهُ أُمَّهَـتُهُمْ وَأُوْلُواْ الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِى كِتَـبِ اللَّهِ »۴، ونَحْنُ أوْلى بِه .
والَّذِي أنْكَرْتَ من إمامَة محَمَّد صلى الله عليه و آله ، زَعَمْتَ أنَّه كانَ رَسُولاً ، ولَمْ يكن إمامَا ، فإنَّ انْكارَك علَى جَمِيْع النَّبِيِّين الأئمَّة ، ولَكِنَّا نَشْهَدُ أنَّه كانَ رَسُولاً نَبِيَّا إماما ، صَلَّى اللّه علَيْه وآلِهِ ، ولِسانُك دَلِيلٌ على ما في قَلْبِك ، وقال اللّه تعالى :« أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَـنَهُمْ * وَلَوْ نَشَآءُ لَأَرَيْنَـكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَـهُمْ وَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَــلَكُمْ »۵.
ألا وقد عَرَفْناك قَبْلَ اليَوْم ، وعَداوَتَكَ وحَسَدَكَ ومَا في قَلْبِك من المَرَض الَّذِي أخْرَجَهُ اللّه ُ .
والَّذِي أنْكَرْتَ مِن قَرابَتي وحَقِّي ، فإنَّ سَهْمَنا وحَقَّنا في كتاب اللّه قَسَمَه لَنا مَع نَبِيِّنا فقال:« وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْ ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَه ُو وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى »۶،وقال :« وَ ءَاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ »۷أوَ لَيْس وَجَدْتَ سَهْمَنا مَع سَهْم اللّه ورَسُولِه ، وسَهْمَك معَ الأبْعَدِين لا سَهْمَ لَك إنْ فارَقْتَه ، فَقَدْ أثْبَتَ اللّه سَهْمَنا وأسْقَطَ سَهْمَك بِفِراقِك .
وأنْكَرْتَ إمامَتِي ومُلْكِي ، فهَل تَجِدُ في كتاب اللّه قوله لاِل إبراهيم : واصْطَفاهُم علَى العالَمِين۸، فهُو فَضَّلَنا على العالَمِين ، أوَ تَزْعَمُ أنَّكَ لَسْتَ مِنَ العالَمِينَ ، أوَ تَزْعَم أنَّا لَسْنا مِن آلِ إبْراهيم ، فإنْ أنْكَرْتَ ذلِك لَنا فَقَدْ أنْكَرْتَ محمَّد ا صلى الله عليه و آله ، فهو منَّا ونَحْنُ منْهُ ، فإنْ اسْتَطَعْتَ أنْ تُفَرِّقَ بَيْنَنا وبَيْن إبراهيم َ صَلَواتُ اللّه علَيْهِ ، وإسماعِيل َ
ومُحَمَّد ٍ وآلِهِ في كِتابِ اللّه ِ فافْعَلْ » .۹

1.الإسراء :۱۱۱ .

2.الإسراء :۳۳ .

3.النساء :۵۴ .

4.الأحزاب :۶ .

5.محمّد : ۲۹ و۳۰ .

6.الإسراء :۲۶ .

7.الإسراء: ۲۶.

8.اقتباس من الآية ۳۳ من سورة آل عمران : « إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحًا وَءَالَ إِبْرَ اهِيمَ وَءَالَ عِمْرَ انَ عَلَى الْعَالَمِينَ » .

9.الغارات : ج۱ ص ۲۰۲ ، بحار الأنوار : ج۳۳ ص۱۳۹ .


مكاتيب الأئمّة ج1
272
  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج1
    المساعدون :
    فرجي، مجتبي
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 108715
الصفحه من 568
طباعه  ارسل الي