الروضات (شرح زيارت رجبيه) - صفحه 566

و إلّا فهما سواء في الرتبة ، و هو غير معقول ؛ إذ لا يمكن تصوّر تعدّد المطلق بما هو مطلق ، كما لا يجوز تعدّد صرف الوجود الواجبي بما هو صرف الوجود ؛ إذ التعدّد بحيث صار به كلّ واحد من المتعدّدين في عرض الآخر مناف للصرافة بالضرورة ، و هذا خلف فرض الصرافة ، و لا بواسطة المشيّة المذكورة ؛ إذ الواسطة لابدّ لها من شيئين و اثنين ، و هو بيّن ، و لذا لم يقل في الكتاب : ما من نجوى ثلاثة إلّا و هو ثالثهم ، بل قال : «هُوَ رَابِعُهُمْ»۱ الآية ؛ فيكون الرابع في كلّ مرتبة من الأدنى إلى الواحد و الأكثر إلى غير النهاية واحدا بالوحدة الحقّة و حقّ الوحدة ، و هذه طريقة ظهور الموجودات على ترتّبها من الواحد الحقيقي .
و إن أردت الوضوح التامّ فلاحظ أنّ المشيّة المسبّبة عن العلم بما هي نور ساطع واحدة البتّة ، و هي لا يتميّز عن الذات الواجبيّة المقدّمة عليها بحكم البرهان الدالّ على لزوم انتهاء الممكنات إلى الواجب الوجود من الدور و التسلسل ، و بحكم الكشف الحاكم على أنّ المشيّة ليست بواجبة الوجود لذاته ؛ لتشعّبها إلى الموجودات و التقييدات ، و الواجب لا يقبل التشعّب و التقييد .
و إذا عرفت حال العلم البسيط الكمالي الذي هو عين ذاته تعالى بالنسبة إلى المشيّة لغيبه و ظهورها و تحقّق واحد في البين بدون إمكان تصوّر كثرة و عزلة ، فقس حال المشيّة بالنسبة إلى الإرادة التي هي فعل الفعل ، و من قسم الممكنات ؛ لعدم كونها واجبة الوجود و ممتنعة الوجود ، بل ممكن الوجود ؛ لبطلان قسم رابع ، و كلّ ممكن معلّل و مسبّب ، وكلّ مسبّب لا يكون عين ذات السبب و لا جزءه ، فالإرادة إنّما يكون مسبّب المشيّة التي يليها ، لا مسبّب الذات ، و إلّا لم يكن إرادة بل مشيّة . هذا ، فتأمّل .
فالإرادة أيضا لظهورها و غيب المشيّة فيها أمر واحد ، و هكذا إلى الإمضاء ، فالكلّ موجود بما يليه ، و استناد الأخير إلى السبب البعيد مجاز عرفا و عرفانا . فإن سُمّيت مثله تفويضا فلا بأس به ؛ لأنّه في الحقيقة تفوّض و ترتّب لا تفويض ؛ لاستحالته ، حيث لا يمكن أن يسبّب القريب عن البعيد حتّى يفوّضه إلى الوسط الأعلى معنى

1.سورة المجادلة ، الآية ۷.

صفحه از 580