قصص الكافي ، دراسة ونقد
الشيخ هادي حسين الخزرجي ۱
«لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِى الْأَلْبَابِ»
مقدّمة وتمهيد
لماذا القصص القرآني ؟ 
 حياة البشر تمضي إلى الإمام ، وقائع تتنوّع ، أحداث تتجدّد ، ومنها ينسج التاريخ القديم والجديد على حدٍّ سواء : 
ومن وعى التاريخ في صدرهأضاف أعماراً إلى عمره
 والقصّة تبرز بين ألوان الأساليب الهادفة ، من بين وسائل الإيضاح والكشف والإبانة ، لتضع بين يدي طالبي الحقيقة وقائع الحياة، مرّها وحلوها : «لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِى الْأَلْبَابِ»۲ . 
 إنّ في قصص البشر لعبرة واعتبار لمن يعتبر ، وقد نُقل عن الإمام عليّ عليه السلام : 
ما أكثر العبر وأقلّ الاعتبار۳.
 فهل نكون من الكثرة التي تلتذّ بقراءة القصص وتستمرئ وحسب ؟ هل نكون من هؤلاء الذين يعلمون ولا يعملون ، ويعظون ولا يتّعظون ، ويقولون ما لا يفعلون ؟ ! أم نكون من القلّة الصابرة الشاكرة ، النقيّة التقيّة ، الذين يفعلون ما يقولون ، ويفعلون ما لا يقولون ، الذين يتسلّقون الجبال الشواهق بكفاءة عالية ، حتّى يصلوا إلى القمم السامقة التي ينحدر عنها السيل ولا يرقى إليها الطير ، كما يقول أمير البلاغة والبيان أمير المؤمنين عليه السلام ؟ 
 إنّ القصّة سجل حافل بألوان التجارب البشرية المضغوطة ؛ لإنارة الطريق لكلّ السالكين الحاضرين والآتين من الأجيال بعدهم . 
 وقد قرأت قصص الكافي عدّة مرات قراءة متأنّية ، فوجدت فيها المتعة والفائدة ؛ لأنّها لم تكن قصصاً خيالية ، وإنّما هي قصص واقعية تأتي أُكلها كلّ حين ، لمن أراد الاعتبار ، ذلك أنّ بعض أبطال وشخوص القصص هم من أعلى القمم في السلوك العرفاني والتعامل المعنوي الأخلاقي والتواضع الإنساني ، وقد نقل الإمام الخميني الراحل عن أحد أساتذته : «من الصعب أن تكون عالماً ، ومن الأصعب أن تصبح إنساناً » ۴ . 
 والقصص المدوّنة في الكافي والمنتزعة من صميم وقائع الحياة ، تريد منّا أن نكون إنسانيّين ، أن نكون كما يريد خالقنا أن نكون ، أن نكون صوراً مصغّرة تتمثّل فينا معاني الإنسانية ، ولهذا نجد كتاب اللّه المجيد يجعل القصّة جزءاً أساسياً منه ، فيذكر قصص الأنبياء : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وآدم ويوسف ، وغيرهم ممّن أناروا طريق البشرية المعذّبة بأخلاقياتهم وإيمانهم وعلمهم، ويكرّر ذكرها ؛ لعظيم فائدتها لكلّ المستويات العالية والمتوسّطة والدانية ، ليشدّهم جميعاً إلى ما يريد ،  ولا يريد اللّه إلّا الخير والفضل والسعادة والتألّق والسموّ والرفعة لعباده ، والتصوير هو قاعدة التعبير في كتاب اللّه ۵ ، كما هو قاعدة التعبير في قصص الكافي وغيرها من القصص . 
 وفيما يلي مصاديق ذلك واضحة في «قصص الكافي» التي تعتبر أساليبها من السهل الممتنع ، سهلة من جهة التعبير والتصوير ، إلّا أنّها القصص التي انتُزعت من وقائع الحياة ، وأُشبعت بالأخلاق المناقبية العالية التي تجسّدت على الأرض ، قبل أن تُحكى باللسان أو تُكتب على الورق ، ومن اللّه نستمدّ العون والتوفيق والسداد .
                         
                        
                            1.الحوزة العلمية / النجف الأشرف .
2.يوسف : ۱۱۱ .
3.شرح نهج البلاغة : ج ۴ ص ۷۲ .
4.ثورة الفقيه ودولته، قراءات في عالمية مدرسة الإمام الخميني ، مقالة بعنوان : «الإمام الخميني ملهم الثوار وأُمثولة الأخلاق» ، للسيّد حسين الموسوي (أبو هشام) : ص ۵۷ .
5.التصوير الفنّي في القرآن لسيّد قطب : ص ۸ .