كما قال اللّه : «وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا»۱ . وقد ورد في التفسير التحيّة بالسلام ۲ بلا خلاف بيننا والحمدُ للّه .
وأمّا وجه الفرق فيُعرف من قوله تعالى : «إِنَّ اللّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما»۳ ، فالصلاة من اللّه تعالى وملائكته عليه صلى الله عليه و آله .
والصلاة والتسليم من المؤمنين ، فصلواتهم عليه متابعة للّه وملائكته ، وسلامهم وتسليمهم شرط إيمانهم ، فمن لم يسلّم عليه وله لم يكن مؤمنا ؛ لقوله تعالى : «فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيما»۴ .
فأوّل مشاجرة وقعت في الإسلام واقعة خلافة أمير المؤمنين عليه السلام وخلافة غيره ، ۵ ليس لوقعتها خلاف ولا كاذبة فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموه صلى الله عليه و آله فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجا ممّا قضاه فليس بمؤمن فضلاً عن إظهار ما وجد في نفسه من الحرج فضلاً عن عدم التسليم ، فضلاً عن طلب التسليم لعدم تسليمهم وقضائه صلى الله عليه و آله وسلممتواتر في الإسلام ، بل تجاوز حدّ التواتر وصار ضرورة بين أهل الإسلام في الموارد المتعدّدة المتواترة بقوله صلى الله عليه و آله وسلم : «مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه ، اللهمَّ والِ مَنْ والاه وعادِ من عاداه» ، ۶ وهو صلى الله عليه و آله حاكم من عند اللّه سبحانه مُطاع الخلق أجمعين ؛ لقوله
1.النساء (۴) : ۸۶ .
2.انظر مجمع البيان ، ج ۲ ، ص ۸۵ ، ذيل الآية ۸۶ من سورة النساء.
3.الأحزاب (۳۳) : ۵۶ .
4.النساء (۴) : ۶۵ .
5.قال الشهرستاني في الملل والنحل، ج ۱، ص ۱۶؛ «الخلاف الخامس في الإمامة، وأعظم خلافٍ بين الاُمّة خلاف الإمامة، إذ ما سلّ سيف في الإسلام على قاعدةٍ دينيّةٍ مثل ما سلّ على الإمامة في كلّ زمانٍ...».
6.أخرجها أكابر علماء المذاهب قديما و حديثا في كتبهم من الصحاح والسنن والمسانيد والتفاسير والسير والتواريخ واللغة وغيرها ، لا يمكننا حصرها هنا ، وقد استوفى طرقه ابن عقدة في كتاب الولاية فأنهاها إلى مائة وخمسة طُرُق عن أكثر فى سبعين صحابيّا ، وجمع الطبري في كتابٍ له في مجلّدين ضخمين قال ابن كثير في البداية والنهاية ، ح ۱۰ ، ص ۵۶ (سنة ۳۱۱) : «وقد رأيت له كتابا جمع فيه أحاديث غدير خم في مجلّدين ضخمين ، وكتابا جمع فيه طريق حديث الطير». ونقل في ينابيع المودّة ، ج ۱ ، ص ۱۳ ، رقم ۳۶ ، وكذا في إحقاق الحق ، ج ۲ ، ص ۴۸۶ ـ ۴۸۷ ، والغدير ، ج ۱ ، ص ۱۵۸ ، عن أبي المعالي الجويني أنّه كان يقول متعجّبا : «إنّي شاهدت ببغداد مجلّدا في يد صحّافٍ مكتوب عليه : المجلّدة الثامنة والعشرون من طُرق : «من كنت مولاه فعليّ مولاه» ويتلوه المجلّد التاسع والعشرون». وأثبت الشيخ ابن الجزري الشافعي في رسالته الموسومة ب :أسنى المطالب في مناقب عليّ بن أبي عليه السلام ، ص ۴۸ تواتر حديث الغدير من طُرُق كثيرة ونسب مُنكره إلى الجهل والعصبيّة ، ورواه المحدّث البحراني في كتابه : غاية المرام ، ج ۲ ، ص ۲۶۷ ـ ۳۴۴ بتسعة وثمانين طريقا طُرُق العامّة ، وثلاثة وأربعين طريقا من طُرُق الخاصّة ، ثم قال : قد تجاوز الحديث حدّ التواتر ، فلايوجد خبرٌ نُقِل من طُرُقٍ بقدر هذه الطُرُق.