و أقول: أمّا الوجه الأوّل فباطل لفظا و معنى، يعرف بطلانه كلّ من له أدنى معرفة بالعربية، على أنّه لم يدّع أحد منهم هذه الدعوى غير هذا القائل لمّا عجز عن الجواب. و لو كان انتسابهم إلى غير الصوفية لما تبعوا طريقهم و طالعوا كتبهم، و اعتقدوا أنّهم على الحقّ. على أنّ أهل الصفّة لا يعرف منهم عالم و لا مصنّف يمكن الانتساب إليه و الأخذ منه، و ما ذلك إلّا بمنزلة الحنفية لو قالوا: ۱ إنّا لا ننتسب إلى الشافعي، بل إلى الشفيع محمّد صلى الله عليه و آله ، مع أنّهم لا يعملون إلّا بقولهما، فعملهم و طريقتهم تكذب دعواهم لو ادّعوا ذلك، كما ادّعاه هذا المتأوّل بما لا أصل له. على أنّ الانتساب إلى أهل الصفّة لا فرق بينه و بين الانتساب إلى الصوفية في الحكم، فأيّ دليل دلّ على وجوبه بل على جوازه؟ على تقدير ثبوت نسبة هذه الأشياء المخالفة للأئمّة عليهم السلام إليهم بل مطلقا.
و أمّا الثاني فباطل أيضا بل أوضح بطلانا؛ لأنّه مصادرة، و لأنّ هذه النسبة:
أوّلا: معلوم أنّها ليست بجائزة بالنصّ و الإجماع، أ لا ترى إلى قوله (تعالى): «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّه وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا» الآية ۲ و قد أجمعوا على نزولها في شأن أمير المؤمنين عليه السلام . ۳ فهذا الحصر دليل كاف. و كذلك قوله: «وَ لا تَمُوتُنَّ إِلّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ»۴«مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ»۵«لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّه وَ الْيَوْمِ الآْخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّه وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ» . ۶ أ لا ترى أنّه لا يجوز للمسلم أن يسمّي نفسه كافرا أو يهوديا.
و ثانيا: على تقدير جواز مجرّد الانتساب إليهم و التسمية بهذا الاسم كيف يجوز حسن الظنّ بهم و اعتماد أقوالهم و أفعالهم و موافقتهم في فاسد الاعتقاد من الحلول و
1.هكذا فى المخطوطة، والظاهر سقوط عبارةٍ منها، ولعلّ الصواب: «.. لوقالوا: ]إنّا لا ننتسب إلى أبى حنيفة، بل إلى الحنيفيّة ـ الواردة فى الحديث الشريف: بُعِثْتُ بالحنيفيّة السمحة السهلة ـ والشافعية لوقولوا]».
2.المائدة (۵): ۵۵.
3.الغدير، ج ۳، ص ۱۵۵ ـ ۱۶۲؛ مجمع البيان، ج ۴، ص ۲۰۹، ۲۱۲، ذيل الآية.
4.آل عمران (۳): ۱۰۲.
5.الحجّ (۲۲): ۷۸ .
6.المجادلة (۵۸): ۲۲.