من العامّة حتّى الشيخ الغزّالي المشهور عندهم ب «حجّة الإسلام» فقد ذكر في بحث الغناء تفصيلا طويلا و أقساما سبعة، منها غناء المحبّين العارفين لأجل تهيّج الشوق و الوجد. ۱ و كلام السيّد المرتضى السابق يؤيّد ما قلنا. و في كتاب إحياء العلوم ما يوضح ما ذكرنا و يدلّ على أنّ مثل ذلك غناء. و قد عرفت النصوص العامّة و الخاصّة بالقرآن المشتملة على النهي عن الترجيع مع التأكيد و التهديد.
و أمّا رجوع الغناء إلى العرف، فإنّ العرب لا يشكّون في أنّ ما ذكرناه غناء.
و ناهيك بنصّ علماء العربية و فقهاء العرب و شهادة ثقاتهم و أعيانهم الآن.
و أمّا دعوى أنّ حقيقة الغناء مجهولة و التعلّل بأصالة الإباحة فهي أظهر فسادا؛ لأنّ النصوص الصحيحة و الأدلّة القطعية دلّت على تحريم الغناء و على الأمر باجتنابه، بل دلّ القرآن على ذلك في قوله: «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ»۲ كما تقدّم تفسيره. فكلّ مكلّف مأمور باجتناب طبيعة الغناء.
و انتفاؤها إنّما يتحقّق بانتفاء جميع الأفراد، و ذلك موقوف على اجتناب جميع الأفراد المشكوكة على تقدير الشكّ، فلا يحصل الامتثال بدونه. فظهر بطلان التمسّك بالأصل في استحلال بعض الأفراد، و لا يلزم من ذلك حرج و لا ضيق ـ كما قد يظنّ ـ فضلا عن تكليف ما لا يطاق؛ لأنّ الأفراد المشكوكة محصورة قليلة، كما لا يخفى.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ من نظر بالفكر الصائب و اعتبر بالفهم الثاقب علم أنّ أصل كلّ بدعة و ضلالة الاعتماد على كلام غير أهل العصمة، ۳ و أنّ سبب كلّ شكّ و شبهة حسن الظنّ بأعدائهم و قبول كلامهم و مطالعة كتبهم. و ما زال الأئمّة عليهم السلام ينهون الشيعة عن ذلك، و يحذّرونهم من سلوك تلك المسالك، فغفل عن تلك المناهي بعض الشيعة و صاروا ينظرون في بعض تلك الكتب لغرض صحيح من تحقيق لغة أو أخذ موعظة و نحوهما، فانجرّ الأمر إلى الوقوع في هذه الورطة، بل فيما هو أعظم منها. و لا
1.إحياء علوم الدين، ج ۲، ص ۳۰۰ ـ ۳۰۶.
2.الحجّ (۲۲): ۳۰.
3.في المخطوطة: «غير كلام أهل العصمة».