شرح دعاء النبي صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله بعد الصلاة - صفحه 265

وبعبارة اُخرى عالما آخرته ودنياه ، واُخرى غيبه وشهادته ، واُخرى حالاه مع الحقّ ومع الخلق ، وهو من شؤونه التي هو عليها ؛ إذ هو واحد صدر عن الواحد بدون واسطة ، فواحديّته تستتبع واحديّة أفعاله وإن كثرت ؛ أي لابدّ لها على كثرتها أن تجمعها جهة وحدة كوحدة السلامة مثلاً .
ولمّا كان مسيره صلى الله عليه و آله وسلم في حركته عند قطع مقاماته دوريّا فيعود كما بدأ ، جذبه باعث شوقه في حركته الدوريّة إلى إبراز ذلك حتّى في خطابه له تعالى ، ووقوفه على بابه جلّ شأنه ، فعاد كما بدأ في دعائه ، وختم بما افتتح ختما عرفيّا على حدّ افتتاحه ، فرجع عوده على بدئه في طلب الغفران فقال :
(وَأسْتَغْفِرُكَ). وتفنّن صلى الله عليه و آله وسلم في طلب المغفرة تارةً بصيغته ، وتارةً بحرفه ؛ تزيّنا للّفظ مع ما فيه من الإشعار بطلب الغفران لما سيأتي ؛ لمكان أصل الصيغة في المضارع أو لما عدا الماضي على القول بالاشتراك .
وفي مفتتح الدعاء غفران ما مضى ، لمكان متعلّقه على أكثر الوجوه ، وفيه أيضا إيماء إلى أنّه مقام التوبة من حيث إنّه صلى الله عليه و آله وسلم لمّا لحظ نفسه في أوّل وهلة مقصّرةً ومذنبة ، فقد لحظ نفسه شيئا وهو بالنسبة لما له مع اللّه ـ من وقت لا يسعه فيه شيء غيره ـ ذنب ، فهو في عدّه نفسه مقصّرةً مقصّر ، فهو حريٌّ بالتوبة ، فتاب وأناب واستغفر من استغفاره الأوّلِ بصيغة التوبة ثانيا ؛ فإنّ الوارد عنهم في تلقينها لفظ الاستغفار وإن كان الندم القلبي فيما ليس ذنبا بالنسبة لحقّ الخلق كافيا ، فعن الباقر عليه السلام : «كفى بالندم توبة» . إلّا أنّ اللسان دليل عليه كما قال :

إنّ الكلام لفي الفؤاد وإنّماجعل اللسان على الفؤاد دليلا۱
وعن الصادق عليه السلام قال : «ما من مؤمن يقارف في يومه وليلته أربعين كبيرة ، فيقول وهو نادم : أستغفر اللّه الذي لا إله إلّا هو الحيُّ القيّوم بديع السماوات والأرض ذا

1.البيت للأخطل ، حكاه عنه الدمياطي في إعانة الطالبين ، ج ۲ ، ص ۲۸۲ ، والرازي في التفسير الكبير ، ج ۱ ، ص ۲۰ ، في المسألة الثامنة عشرة.

صفحه از 280