شرح دعاء النبي صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله بعد الصلاة - صفحه 213

ويُحتمل أن يُراد بالسرّ عالم النفس ، والعلانية عالم الجوارح ؛ أي فلا أعصيك بنفسي في الاعتقادات الفاسدة والأوهام الكاسدة ، ولا بجوارحي ؛ فإنّ السمع والبصر والفؤاد كلّ ذلك كان عنه مسؤولاً .
قال الصادق عليه السلام : «التشهّد ثناء على اللّه ، فكن عبدا له في السرّ ، خاضعا له في الفعل ، كما أنّك عبدٌ له بالقول ، وصِلْ صدق لسانك بصفاء صدق سرّك ؛ فإنّه خلقك عبدا ، وأمرك أن تعبده بقلبك ولسانك وجوارحك ، وأن تحقّق عبوديّتك له بربوبيّته لك ، وتعلم أنّ نواصي الخلق بيده ، فليس لهم نَفَس ولا لحظة إلّا بقدرته ومشيئته ، وهم عاجزون عن إتيان شيء من مملكته إلّا بإذنه وإرادته ، قال تعالى : «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ»۱ » الخبر . ۲
واعلم أنّ الرياء الظاهر يكون في العمل الظاهر الذي تراه العيون وتسمعه الآذان ، ولكن لمّا كان هو الداء الدفين ، فله في العمل خفيةً مدخلٌ عظيم ، وللشيطان فيه دخل يفوق الإعلان ، فيوسوس إليه أنّ الإظهار مظنّة الرياء فأخفت أعمالك فسواء قصد بإخفائه أنّه إذا اطّلع عليه المطّلع ـ وهو مسرّ ـ مدحه ونزّهه عن الرياء فيسرّه ذلك ، أو لم يقصد بل أخفاه خوفَ الرياء ، فهو هو الرياء .
ولعلّ ما ورد عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم واشتهر على الألسنة : «الرياء شرك ، وتركه كفر» ۳ يشير إلى ذلك ، فترك الرياء للرياء رياء .
وفي الحديث النبوي : «لا يكمل إيمان العبد حتّى يكون الناس عنده بمنزلة الأباعر» ۴ والمراد أنّه لا يختلف حالاه خلوةً وجهرا ، ولا يكون في حال العبادة ناظرا إلّا إلى اللّه وحده بحيث لا يرى سواه ، فقد ينتهي وسوسة اللعين بالمرء إلى أمره بترك العبادة رأسا خوفا من المطّلع ، وحذرا من الرياء ، فإنّه الرياء أيضا .

1.القصص (۲۸) : ۶۸ .

2.مصباح الشريعة ، ص ۹۳ ، في التشهد ؛ بحارالأنوار ، ج ۸۲ ، ص ۲۸۴ ، ح ۱۱.

3.انظر كشف الغطاء (طبع قديم) ، ج ۱ ، ص ۶۷.

4.رسائل الشهيد الثاني (طبع قديم) ، ص ۱۴۶ ؛ التحفة السنيّة للسيّد عبداللّه الجزائري ، ص ۷۸.

صفحه از 280