شرح دعاء النبي صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله بعد الصلاة - صفحه 212

حمق وغرور لا رجاء ، فالدنيا مزرعة الآخرة ، والقلب : الأرض ، والإيمان : البذر ، والطاعات هي الماء الذي يسقى به الأرض ، وتطهير القلب من المعاصي والأخلاق الذميمة بمنزلة تنقية الأرض من الشوك والأحجار والنباتات الخبيثة ، ويوم القيامة هو وقت الحصاد ، فاحذر أن يغرّك الشيطان ، ويثبّطك عن العمل ، ويقنعك بمحض الرجاء والأمل .
وانظر إلى حال الأنبياء والأولياء واجتهادهم في الطاعات ، وصرفهم العمر في العبادات ليلاً ونهارا ، أما كانوا يرجون عفو اللّه ورحمته؟ بلى واللّه إنّهم كانوا أعلم بسعة رحمة اللّه ، وأرجى لها منك ومن كلّ أحد ، ولكن علموا أنّ رجاء اللّه والرحمة من دون العمل غرور محض وسفه بحت ، فصرفوا في العبادات أعمارهم ، وقصروا على الطاعات ليلهم ونهارهم . ۱
وعن الصادق عليه السلام : «يا إسحاق ، خف اللّه كأنّك تراه ، وإن كنت لا تراه فإنّه يراك ، وإن كنت ترى أنّه لا يراك فقد كفرت ، وإن كنت تعلم أنّه يراك ، ثمّ برزت له بالمعصية ، فقد جعلته من أهون الناظرين عليك» . ۲
واعلم أنّه يتحقّق جعله تعالى من أهون الناظرين إذا عصاه علانيةً وجهرا باطّلاع من لا يبالي بهم من خلقه ، وأمّا إذا أخفى معصيته فقد جعله أهون الناظرين ، فلهذا طلب صلى الله عليه و آله وسلممنه تعالى خشية خفيّة وجاهرا بقوله :
(في السِّرِّ والعَلانيةِ) ، فمَن خاف سرّا فقط صار كفرعون ، فقد نقل عنه أنّه مع ادّعائه الربوبيّة كان يسرّ الدعاء والمسألة . ۳ ومَنْ خاف علانيةً فقط فهو المرائي الكذّاب المشرك .

1.قال به العلّامة المجلسي في مرآة العقول ، ج ۸ ، ۳۶ ، وبحارالأنوار ، ج ۶۷ ، ص ۳۵ ، والنراقي في جامع السعادات ، ج ۱ ، ص ۲۲۳ ـ ۲۲۵.

2.الكافي ، ج ۲ ، ص ۶۷ ، باب الخوف والرجاء ، ح ۲ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۵ ، ص ۲۲۰ ، ح ۲۰۳۲۴ ؛ بحارالأنوار ، ج ۶۷ ، ص ۳۵۵ ، ح ۲.

3.انظر جامع البيان ، ج ۹ ، ص ۳۴ ، ۱۱۶۲۲.

صفحه از 280